كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
شفاعتهن لترتجي قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ثم جاءه جبريل عليهما الصلاة والسلام بعد ذلك فقال : أعرض على ما جائتك به فلما بلغ تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجي قال له جبريل عليهما السلام : لم آتك بهذا هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى وما أرسلنا الآية
وأخرج البزار والطبري وابن مردوية والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد عن ابن عباس نحو ذلك لكن ليس فيه حديث السجود وفيه أيضا مغايرة يسيرة غير ذلك وجاء حديث السجود في خبر آخر عنه أخرجه البزاز وابن مردوية أيضا من طريق أمية بن خالد عن شعبة لكن قال في إسناده : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب فشك في وصله وفي رواية أبي حاتم عن السدي أن جبريل عليه السلام قال له عليه الصلاة و السلام حين عرض عليه ذلك : معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا فاشتد عليه الصلاة و السلام فأنزل الله تعالى وطيب نفسه وما أرسلنا الآية قيل : ولمشابهة ما ألقى الشيطان للوحي المنزل وكونه في أثنائه أطلق على إبطاله اسم النسخ الشائع إيقاعه على ما هو وحي حقيقة لكن لا يخفى أن النسخ الشرعي لا يتعلق بنحو ما ذكر من الأخبار فلا بد من تأويل ما لذلك وقد أنكر كثير من المحققين هذه القصة فقال البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل وقال القاضي عياض في الشفاء : يكفيك في توهين هذا الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند صحيح سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم
وفي البحر أن هذه القصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية فقال : هذا من وضع الزنادقة وصنف في ذلك كتابا وذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي في كتاب حصص الأتقياء الصواب أن قوله : تلك الغرانيق العلا من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين ليرتابوا في صحة الدين وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية وذكر غير واحد أنه يلزم على القول بأن الناطق بذلك النبي صلى الله عليه و سلم بسبب إلقاء الشيطان الملبس بالملك أمور منها تسلط الشيطان عليه عليه الصلاة و السلام وهو صلى الله عليه و سلم بالإجماع معصوم من الشيطان لا سيما في مثل هذا من أمور الوحي والتبليغ والإعتقاد وقد قال سبحانه إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقال تعالى إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا إلى غير ذلك ومنها زيادته صلى الله عليه و سلم في القرآن ما ليس منه وذلك مما يستحيل عليه الصلاة و السلام لمكان العصمة ومنها اعتقاد النبي صلى الله عليه و سلم ما ليس بقرآن أنه قرآن مع كونه بعيد الإلتئام متناقضا ممتزج المدح بالذم وهو خطأ شنيع لا ينبغي أن يتساهل في نسبته إليه صلى الله عليه و سلم ومنها أنه إما أن يكون عليه الصلاة و السلام عند نقطة بذلك متعقدا ما اعتقده المشركون من مدح آلهتهم بتلك الكلمات وهو كفر محال في حقه صلى الله عليه و سلم وإما أن يكون معتقدا معنى آخر مخالفا لما اعتقدوه ومياينا لظاهر العبارة ولم يبينه لهم مع فرحهم وادعائهم أنه مدح آلهتهم فيكون مقرا لهم على الباطل وحاشاه صلى الله عليه و سلم أن يقر على ذلك ومنها كونه صلى الله عليه و سلم اشتبه عليه ما يلقيه الشيطان بما يلقيه عليه الملك وهو يقتضي أنه عليه الصلاة و السلام على غير بصيرة فيما يوحى إليه ويقتضي أيضا جواز تصور الشيطان بصورة الملك ملبسا على النبي ولا يصح ذلك كما قال في الشفعاء لا في أول الرسالة ولا بعدها والإعتماد في ذلك دليل المعجزة