كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

هنا وهو مما ينصب مفعولين أو هو حال من الضمير المنصوب في جعلناهم أو من المستكن في حصيدا أو هو صفة لحصيدا وهو متعدد معنى واعترض بعضهم بأن كونه صفة له مع كونه تشبيها أريد به ما لا يعقل يأباه كونه للعقلاء
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين
16
- أي ما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق مشحونة بضروب البدائع والعجائب كما تسوي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم للهو واللعب وإنما سويناها للفوائد الدينية والحكم الربانية كأن تكون سببا للإعتبار ودليلا للمعرفة مع منافع لا تحصى وحكم لا تستقصى وحاصله ما خلقنا ذلك خاليا عن الحكم والمصالح إلا أنه عبر عن ذلك باللعب وهو كما قال الراغب الفعل الذي لا يقصد به مقصد صحيح لبيان كمال تنزهه تعالى عن الخلق الخالي عن الحكمة بتصويره بصورة ما لا يرتاب أحد في استحالة صدوره عنه سبحانه وهذا الكلام على ما قيل إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم وإبداع بني آدم مؤسس على قواعد الحكمة البالغة المستتبعة للغايات الجليلة وتنبيه على أن ما حكى من العذاب النازل بأهل القرى من مقتضيات تلك الحكم ومتفرعاتها حسب اقتضاء أعمالهم إياه مع التخلص إلى وعيد المخاطبين وفي الكشف أن الآيات لإثبات أمر النبوة ونفي تلك المطاعن السابقة على ما ذكره الإمام وهو الحق لأنه قد تكرر في الكتاب العزيز أن الحكمة في خلق السماء والأرض وما بينهما العبادة والمعرفة وجزاء من قام بهما ومن ومن لم يقم ولن يتم ذلك إلا بإنزال الكتب وإرسال الرسل عليهم السلام فمنكر الرسالة جاعل خلق السماء والأرض لعبا تعالى خالقهما وخالق كل شيء عنه وعن كل نقص علوا كبيرا ومنكر نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جعل إظهار المعجزة على يديه من باب العبث واللعب ففيه إثبات نبوته عليه الصلاة و السلام وفساد تلك المطاعن كلها
وقوله سبحانه : لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا استئناف مقرر لما قبله من انتفاء اللعب في خلق السماء والأرض وما بينهما ومعنى الآية على ما استظهره صاحب الكشف لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا أي لهوا إلهيا أي حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم وهذا عين الجد والحكمة فهو في معنى لو أردناه لامتنع
وقوله تعالى : إن كنا فاعلين
17
- كالتكرير لذلك المعنى مبالغة في الإمتناع على أن إن شرطية وجوابها محذوف أي إن كنا فاعلين ما يوصف بفعله باللهو فهكذا يكون فعلنا ولو حمل على النفي ليكون تصريحا بنتيجة السابق كما عليه جمهور المفسرين لكان حسنا بالغا انتهى وقال الزمخشري : من لدنا أي من جهة قدرتنا وجعل حاصل المعنى أنا لو أردنا ذلك لاتخذنا فإنا قادرون على كل شيء إلا أنا لم نرده لأن الحكمة صارفة عنه وذكر صاحب الكشف أن تفسيره ذلك بالقدرة غير بين وقد فسره به أيضا البيضاوي وغيره وظاهره أن اتخاذ اللهو داخل تحت القدرة وقد قيل إنه ممتنع عليه تعالى امتناعا ذاتيا والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة وأجيب بأن صدق الشرطية لا يقتضي صدق الطرفين فهو تعليق على امتناع الإرادة أو يقال الحكمة غير منافية لاتخاذ ما من شأنه أن يتلهى به وإنما تنافي أن يفعل فعلا يكون هو سبحانه بنفسه لاهيا به فلا امتناع في الإتخاذ بل في وصفه انتهى
والحق عندي أن العبث لكونه نقصا مستحيل في حقه تعالى فتركه واجب عنه سبحانه وتعالى ونحن وإن لم نقل بالوجوب عليه تعالى لكنا قائلون بالوجوب عنه عز و جل قال أفضل المتأخرين الكلنبوي : إن

الصفحة 18