كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنبياء
نزلت بمكة كما أخرج ابن مردوية عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وفي البحر أنها مكية بلا خلاف وأطلق ذلك فيها واستثني منها في الإتفاق قوله تعالى أفلا ترون أنا نأتي الأرض الآية وهي مائة واثنتا عشرة آية في عد الكوفي وإحدى عشرة في عد الباقين كما قاله الطبرسي والداني ووجه اتصالهما بما قبلهما غني عن البيان وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة فقد أخرج ابن مردوية وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن عامر ابن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه و سلم واديا ما في العرب واد أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر : لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا اقترب للناس إلى آخره
بسم الله الرحمن الرحيم اقترب للناس حسابهم روي عن ابن عباس كما قال الإمام والقرطبي والزمخشري أن المراد بالناس المشركون ويدل عليه ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى من الآيات فإنها ظاهرة في وصف المشركين وقال بعض الأجلة إن ما فيها من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريفه للجنس ووجه حسنه ههنا كون أولئك البعض هم الأكثرون وللأكثر حكم الكل شرعا وعرفا ومن الناس من جوز إرادة الجنس والضمائر فيها بعد لمشركي أهل مكة وإن لم يتقدم ذكرهم في هذه السورة وليس بأبعد مما سبق وقال بعضهم : إن دلالة ما ذكر على التخصيص ليست إلا على تقدير تفسير الأوصاف بما فسروها به ويمكن أن يجعل كل منها على معنى يشترك فيه عصاة الموحدين ولا يخفى أن في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر جدا واللام صلة لاقترب كما هو الظاهر وهو بمعنى إلى أو بمعنى من فإن اقترب افتعل من القرب ضد البعد وهو يتعدى بالي وبمن واقتصر بعضهم على القول بأنها بمعنى إلى فقيل فيه تحكم لحديث تعدي القرب بهما وأجيب بأنه يمكن أن يكون ذلك لأن كلا من من وإلى اللتين هما صلتا القرب بمعنى انتهاء الغاية إلا أن إلى عريقة في هذا المعنى ومن عريقة في ابتداء الغاية فلذا أوثر التعبير عن كون اللام المذكورة بمعنى انتهاء الغاية كالتي في قوله تعالى بأن ربك أوحى لها القول بأنها بمعنى إلى واقتصر عليه وفي الكشف المعنى على تقدير كونه صلة لاقترب من الناس لأن معنى الإختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم يحصل به الغرض انتهى وفيه بحث فإن المفهوم منه أن يكون كلمة من التي يتعدى بها فعل الإقتراب بمعنى ابتداء الغاية وليس كذلك لعدم ملائمة ذلك المعنى مواقع استعمال تلك الكلمة فالحق أنها بمعنى انتهاء الغاية فإنهم ذكروا أن من مجيء لذلك قال الشمني : وفي الجني الداني مثل ابن مالك لانتهاء الغاية بقولهم تقتربت منه فأنه مساو ولتقربت إليه ومما يشهد لذلك أن فعل الإقتراب كما يستعمل بمن يستعمل بإلى وقد ذكر في معاني من انتهاء الغاية كما سمعت ولم يذكر أحد في معاني إلى ابتداء الغاية والأصل أن تكون
الصفحة 2
216