كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
إضراب على اتخاذ اللهو واللعب بل عن إرادة الإتخاذ كأنه قيل لكنا لا نريده بل شاننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو وتخصيص هذا الشأن من بين سائر شئونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الوعيد عن مجاهد أن الحق القرآن والباطل الشيطان وقيل الحق الحجة والباطل شبههم ووصفهم الله تعالى بغير صفاته من الولد وغيره والعموم هو الأولى وأصل القذف الرمي البعيد كما قال الراغب وهو مستلزم لصلابة الرمي وقد استعير للإيراد أي نورد الحق على الباطل
فيدمغه أي يمحقه بالكلية كما فعلنا بأهل القرى المحكمة وأصل الدمغ كسر الشيء الرخو الأجوف وقد استعير للمحق
وجوز أن يكون هناك تمثيل لغلبة الحق على الباطل حتى يذهبه برمي جرم صلب على رأس دماغه رخو ليشقه وفيه إيماء إلى علو الحق وتسفل الباطل وأن جانب الأول باق والثاني فإن وجوز أيضا أن يكون استعارة مكنية بتشبيه الحق بشيء صلب يجيء من مكان عال والباطل بجرم رخو أجوف سافل ولعل القول بالتمثيل أمثل وقرأ عيسى ابن عمر فيدمغه بالنصب وضعف بأن ما بعد الفاء إنما بإضمار أن لا بالفاء خلافا للكوفيين في جواب الأشياء الستة وما هنا ليس منها ولم يرد مثله إلا في الشعر كقوله : سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا على أنه قد قيل في هذا إن استريحا ليس منصوبا بل مرفوع مؤكد بالنون الخفيفة موقوف عليه بالألف ووجه بأن النصب في جواب المضارع المستقبل وهو يشبه التمني في الترقب ولا يخفى أن المعنى في الآية ليس على خصوص المستقبل وقد قالوا إن هذا التوجيه في البيت ضعيف فيكون ما في الآية أضعف منه مأخذا والعطف على هذه القراءة على الحق عند أبي البقاء والمعنى بل نقذف بالحق فندمغه على الباطل أي نرمي بالحق فإبطاله به
وذكر بعض الأفاضل أنه لو جعل من قبيل علفتها تبنا وماء بارد أصح واستظهر أن العطف على المعنى أي نفعل القذف فالدمغ وقريء فيدمغه بضم الميم والغين فإذا هو زاهق أي ذاهب بالكلية وفي إذا الفجائية والجملة الإسمية من الدلالة على كمال المسارعة في الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الأصل
ولكم الويل مما تصفون
18
- وعيد لقريش أو لجميع الكفار من العرب بأن لهم أيضا مثل مالأولئك من العذاب والعقاب وما تعليلية متعلقة بالإستقرار الذي تعلق به الخبر أو بمحذوف هو حال من الويل على مذهب بعضهم أو من ضميره المستتر في الخبر وما إما مصدرية أو موصولة أو موصوفة أي ومستقر لكم الويل والهلاك من أجل وصفكم له تعالى بما لا يليق بشأنه الجليل تعالى شأنه أو بالذي تصفونه أو بشيء تصفونه به من الولد ونحوه أو كائنا مما تصفونه عز و جل به وكون الخطاب لمن سمعت مما لا خفاء فيه ولا بعد وأبعد كل البعد من قال : إنه خطاب لأهل القرى على طريق الإلتفات من الغيبة في قوله تعالى فما زالت تلك دعواهم إليه
وله من في السماوات والأرض استئناف مقرر لما قبله من خلقه تعالى لجميع مخلوقاته على حكمة بالغة ونظام كامل وأنه سبحانه يحق الحق ويزهق الباطل وقيل هو عديل لقوله تعالى ولكم الويل وهو كما ترى أي وله تعالى خاصة جميع المخلوقات خلقا وملكا وتدبيرا وتصرفا وإحياء وتعذيبا وإثابة من غير أن
الصفحة 20
216