كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

والمراد أن مجموعهما كذلك وهو لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر ولا تفضيل القيام أو السجود على كل واحد واحد من الأركان وقيل : المعنى اخضعوا لله تعالى وخروا له سجدا وقيل : المراد الأمر بالركوع والسجود بمعناهما الشرعي في الصلاة فإنهم كانوا في أول إسلامهم يركعون في صلاتهم بلا سجود تارة ويسجدون بلا ركوع أخرى فأمروا بفعل الأمرين جميعا فيها حكاه في البحر ولم نره في أثر يعتمد عليه وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره الفراء بلا سند واعبدوا ربكم بسائر ما تعبدكم سبحانه به كما يؤذن به ترك المتعلق وقيل : المراد أمرهم بأداة الفرائض
وقوله تعالى وافعلوا الخير تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أمر بصلة الأرحام ومكارم الأخلاق لعلكم تفلحون
77
- في موضع الحال من ضمير المخاطبين أي افعلوا كل ذلك وأنتم راجعون به الفلاح غير متيقنين به واثقين بأعمالكم والآية آية سجدة عند الشافعي وأحمد وابن المبارك وإسحاق رضي الله تعالى عنهم اظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولما تقدم عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين قال : نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما وبذلك قال علي كرم الله تعالى وجهه وعمر وابنه عبد الله وعثمان وأبو الدرداء وأبو موسى وابن عباس في إحدى الروايتين عنه رضي الله تعالى عنهم وذهب أبو حنيفة ومالك والحسن وابن المسيب وابن جبير وسفيان الثوري رضي الله تعالى عنهم إلى أنها ليست آية سجدة قال ابن الهمام : لأنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالإستقراء نحو اسجدي واركعي وإذا جاء الإحتمال سقط الإستدلال وما روي من حديث عقبة قال الترمذي : أسناده ليس بالقوي وكذا قال أبو داود وغيره انتهى
وانتصر لإمامه الشافعي رضي الله تعالى عنه فقال : الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها وأما السجود فلما لم يختص حمل على الحقيقة لعموم الفائدة ولأن العدول إلى المجاز من غير صادف أو نكتة غير جائز والمقارنة لا توجب ذلك وتعقبه صاحب الكشف بأن للقائل أن يقول : المقارنة تحسن ذلك وتوافق الأمرين في الفرضية أو الإيجاب على المذهبين من المقتضيات أيضا ثم رجع إلى الإنتصار فقال : الحق إن السجود حيث ثبت ليس من مقتض خصوص تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة بل إنما ذلك بفعل الرسول صلى الله عليه و سلم أو قوله فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة ومع ذلك تشرع السجدة عند تلاوتها لما ثبت من الرواية الصحيحة وفيه إن أراد أن ما ثبت دليل مستقل على مشروعيتها من غير مدخل للآية فذلك على ما فيه مما لم لا يقله الشافعي ولا غيره إن أراد الآية تدل على ذلك كما تدل على فرضية سجود الصلاة وما ثبت كاشف على تلك الدلالة فذلك قول بخفاء تلك الدلالة والتزام أن الأمر بالسجود لمطلق الطلب الشامل لما كان على سبيل الإيجاب كما في طلب سجود الصلاة ولما كان على سبيل الندب كما في طلب سجود التلاوة فإنه سنة عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ولعله يتعين عنده ذلك ولا محذور فيه بل لا معدل عنه إن صح الحديث لكن قد سمعت آنفا ما قيل فيه ولك أن تقول : إنه قد قوي بما أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن مردوية والبيهقي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في

الصفحة 208