كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
فينكرون كما ذكر ذلك كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى وتكونوا شهداء على الناس ورد أنه يؤتى بالأمم وأنبيائهم فيقال لأنبياءهم : هل بلغتم أممكم فيقولون : نعم بلغناهم فينكرون فيؤتى بهذه الأمة فيشهدون أنهم قد بلغوا فتقول الأمم لهم : من أين عرفتم فيقولون : عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق أو شهيدا عليكم بإطاعة من أطاع وعصيان من عصى ولعل علمه صلى الله عليه و سلم بذلك بتعريف الله تعالى بعلامات تظهر له في ذلك الوقت تسوغ له عليه الصلاة و السلام الشهادة وكون أعمال أمته تعرض عليه عليه الصلاة و السلام وهو في البرزخ كل أسبوع أو أكثر أو أقل إذا صح لا يفيد العلم بأعيان ذوي الأعمال المشهود عليهم وإلا أشكل ما رواه أحمد في مسنده والشيخان عن أنس وحذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول : يا رب أصيحابي أصيحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وربما أشكل هذا على تقدير صحة حديث العرض سواء أفاد العلم بالأعيان أم لا وإذا التزم صحة ذلك الحديث وأنه صلى الله عليه و سلم لم يستحضر أعمال أولئك الأقوال حين عرفهم فقال ما قال وأن المراد من إنك لا تدري الخ مجرد تعظيم أمر ما أحدثوه بعد وفاته عليه الصلاة و السلام لا نفي العلم به يبقى من مات من أمته طائعا أو عاصيا في زمان حياته صلى الله عليه و سلم ولم يكن علم بحاله أصلا كمن آمن ومات ولم يسمع صلى الله عليه و سلم به فإن عرض الأعمال في حقه لم يجيء في خبر أصلا والقول بعدم وجود شخص كذلك بعيد ومن زعم أنه صلى الله عليه و سلم يعلم أعمال أمته ويعرفهم واحدا واحدا حيا وميتا ولذا ساغت شهادته عليهم بالطاعة والمعصية يوم القيامة لم يأت بدليل والآية لا تصلح دليلا له إلا بهذا التفسير وهو خل البحث على أن حديث الإفك ما يدل على خلافه
وزعم بعضهم أن معرفته صلى الله عليه و سلم للطائع والعاصي من أمته لما أنه يحضر سؤالهم في القبر عنه عليه الصلاة و السلام كما يؤذن بذلك ما ورد أنه يقال للمقبور : ما تقول في هذا الذي بعث إليكم واسم الإشارة يستدعي مشارا إليه محسوسا مشاهدا وهو كما ترى واختار بعض أن الشهادة بذلك على بعض الأمة وهم الذين كانوا موجودين في وقته صلى الله عليه و سلم وعلى حالهم من طاعة وعصيان والخطاب في عليكم إما خاص بهم أو عام على سبيل التغليب وفيه ما فيه فتدبر وقيل على في عليكم بمعنى اللام كما في قوله تعالى وما ذبح على النصب فالمعنى شهيدا لكم والمراد بشهادته لهم تزكيته إياهم إذا شهدوا على الأمم ولا يخفى بعده واللام متعلقة بسماكم على الوجهين في الضمير وهي للعاقبة على ما قيل وقال الخفاجي : لا مانع من كونها للتعليل فإن تسمية الله تعالى أو إبراهيم عليه السلام لهم بالمسلمين حكم بإسلامهم وعدالتهم وهو سبب لقبول شهادة الرسول عليه الصلاة و السلام الداخل فيهم دخولا أوليا وقبول شهادتهم على الأمم وفيه نوع خفاء
فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة أي فترقبوا إليه تعالى لما خصكم بهذا الفضل والشرف بأنواع الطاعات وتخصيص هذين الأمرين بالذكر لأنافتهما وفضلهما واعتصموا بالله أي ثقوا به تعالى في جميع أموركم هو مولاكم ناصركم ومتولي أموركم فنعم المولى ونعم النصير
78
- هو إذ لا مثل له تعالى في الولاية والنصرة فإن من تولاه لم يضع ومن نصره لم يخذل بل لا ولي ولا ناصر في الحقيقة سواه عز و جل وفي
الصفحة 211
216