كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

هذا إشارة إلى أن قصارى الكمال الإعتصام بالله تعالى وتحقيق مقام العبودية وهو التسمية والإجتباء وجوز أن يكون هو مولاكم تتميما للإجتباء وليس بذاك هذا
ومن باب الإشارة في الآيات إن الله يدافع عن الذين آمنوا كيد عدوهم من الشيطان والنفس إن الله لا يحب كل خوان كفور ويدخل في ذلك الشيطان والنفس وصدق الوصفين عليهما ظاهر جدا بل لأخوان ولا كفور مثلهما الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة الخ فيه إشارة إلى حال أهل التمكين وأنهم مهديون هادون فلا شطح عندهم ولا يضل أحد بكلماتهم فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد قيل : في القرية الظالمة إشارة إلى القلب الغافل عن الله تعالى وفي البئر المعطلة إشارة إلى الذهن الذي يستخرج منه الأفكار الصافية وفي القصر المشيد إشارة إلى البدن المشتمل على حجرات القوى
فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فيه إشارة إلى سوء حال المحجوبين المنكرين فإن قلوبهم عمي عن رؤية أنوار أهل الله تعالى فإن لهم أنوارا لا ترى إلا بعين القلب وبهذه العين تدرك حقائق الملك ودقائق الملكوت وفي الحديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قد تقدم الكلام في اليوم وانقسامه فتذكر فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة أي ستر عن الأغيار من أن يقفوا على حقيقتهم كما يشير ما يروونه من الحديث القدسي أو ليأتي تحت قبابي لا يعرفهم أحد غيري ورزق كريم وهو العلم اللدني الذي به غذاء الأرواح
وقال بعضهم : رزق القلوب حلاوة العرفان ورزق الأسرار مشاهدة الجمال ورزق الأرواح مكاشفة الجلال وإلى هذا الرزق يشير عليه الصلاة والصلام بقوله : أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني والإشارة في قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآيات على قول من زعم صحة حديث الغرانيق إلى أنه ينبغي أن يكون العبد فناء في إرادة مولاه عز و جل وإلا ابتلى بتلبيس الشيطان ليتأدب ولا يبقى ذلك التلبيس لمنافاة الحكمة والذين هاجروا في سبيل الله عن أوطان الطبيعة في طلب الحقيقة ثم قتلوا بسيف الصدق والرياضة أو ماتوا بالجذبة عن أوصاف البشرية ليرزقنهم الله رزقا حسنا هو رزق دوام الوصلة كما قيل : أو هو كالرزق الكريم ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله فيه إشارة إلى نصر السالك الذي عاقب نفسه بالمجاهدة بعد أن عاقبته بالمخالفة ثم ظلمته باستيلاء صفاتها وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون أخذ الصوفية منه ترك الجدال مع المنكرين
وذكر بعضهم أن الجدال معهم عبث كالجدال مع العنين في لذة الجماع وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر الآية فيه إشارة إلى ذك المتصوفة الذين إذا سمعوا الآيات الرادة عليهم ظهر عليهم التجهم والبسور وهم في زماننا كثيرون فإنا لله وإنا إليه راجعون وفي قوله تعالى : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا الخ إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور والعقلاء منهم يقولون : إنهم وسائلنا إلى الله تعالى وإنما ننذر لله عز و جل ونجعل ثوابه للولي ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله الله زلفى ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم أو رد غائبهم أو نحو

الصفحة 212