كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
ضمير لا يستحسرون أيضا ولا يجوز على تقدير الإستئناف كونه حالا منه للفصل وجوز أن يكون استئنافا والمعنى ينزهون الله تعالى ويعظمونه ويمجدونه في كل الأوقات لا يتخلل تسبيحهم فترة أصلا بفراغ أو شغل آخر واستشكل كون الملائكة مطلقا كذلك مع أن منهم رسلا يبلغون الرسالة ولا يتأتى التسبيح حال التبليغ ومنهم من يلعن الكفرة كما ورد في آية أخرى وقد سأل عبد الله بن الحرث بن نوفل كعبا عن ذلك كما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب فأجاب بأنه جعل لهم التسبيح كالتنفس فلا يمنع عن التكلم بشيء آخر وتعقب بأن فيه بعدا وقيل إن الله تعالى خلق لهم ألسنة فيسبحون ببعض ويبلغون مثلا ببعض آخر وقيل تبليغهم ولعنهم الكفرة تسبيح معنى
وقال الخفاجي : الظاهر أنه إن لم يحصل على بعضهم فالمراد به المبالغة كما يقال فلان لا يفترعن ثنائك وشكر آلائك انتهى ولا يخفى حسنه ويجوز أن يقال : إن هذا التسبيح كالحضور والذكر القلبي الذي يحصل لكثير من السالكين وذلك مما يجتمع مع التبليغ وغيره من الأعمال الظاهرة ثم إن كون الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يستلزم أن يكون عندهم في السماء ليل ونهار لأن المراد إفادة دوامهم على التسبيح على الوجه المتعارف وقوله تعالى : أم اتخذوا آلهة حكاية لجناية أخرى من جنايات أولئك الكفرة هي أعظم من جناية طعنهم في النبوة وأم هي المنقطعة تقدر ببل الإضرابية والهمزة الإنكارية وهي لإنكار الوقوع لا إنكار الواقع وقوله تعالى : من الأرض متعلق باتخذوا ومن ابتدائية على معنى أن اتخاذهم إياها مبتدأ من أجزاء الأرض كالحجارة وأنواع المعادن ويجوز كونها تبعيضية
وقال أبو البقاء وغيره : يجوز أن تكون متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلهة أي آلهة كائنة من جنس الأرض وأياما كان فالمراد التحقير لا التخصيص ومن جوزه التزم تخصيص الإنكار بالشديد وهو غيرسديد وقوله تعالى هم ينشرون
21
- أي يبعثون الموتى صفة لآلهة وهو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع لا نفس الإتخاذ فإنه واقع لا محالة أي بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى كلا فإن ما اتخذوه آلهة بمعزل من ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحا لكنهم حيث ادعوا لها الآلهية فكلهم ادعوا لها الإنشار ضرورة أنه من الخصائص الآلهية حتما ومعنى التخصيص في تقديم الضمير ما أشير إليه من التنبيه على كمال مباينة حالهم للإنشار الموجبة لمزيد الإنكار كما أن تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى أفي الله شك للتنبيه على كمال مباينة أمره تعالى لأن يشك فيه ويجوز أن يجعل ذلك من مستتبعات ادعائهم الباطل فإن الألوهية مقتضية للإستقلال بالإبداء والإعادة فحيث ادعوا للأصنام الإلهية فكأنهم ادعوا لهم الإستقلال بالإنشار كما أنهم جعلوا بذلك مدعين لأصل الإنشار قاله المولى أبو السعود وقال بعضهم : تقديم الضمير للتقوى وما ذهب إليه من إفادته معنى التخصيص تبع فيه الزمخشري وفي الكشف الداعي إلى ترجيحه على التقوى أنه ترشيح لما أبداه أولا من أن الآلهية لا تصح دون القدرة على الإنشار ولا وجه لتجوير كونه فصلا انتهى وجوز أن تكون جملة هم ينشرون مستأنفة مقدرا معها استفهام إنكاري لبيان علة إنكار الإتخاذ ولعل مجوز ذلك لا يسلم لزوم كون معنى الهمزة في أم المنقطعة إنكار الوقوع ويجوز كونه إنكار الواقع وتفسير ينشرون يبعثون هو المشهود عليه الجمهور وقال قطرب : هو بمعنى يخلقون
الصفحة 22
216