كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

معنا إلا زيد لهكنا أجود كلام وخالف في ذلك سيبويه فإنه قال لو قلت لو كان معنا المثال لكنت قد أحلت
ورد بأنهم لا يقولون لو جاءني ديار أكرمته ولا لو جاءني من أحد أكرمته ولو كانت بمنزلة النافي لجاز ذلك كما يجوز ما فيها ديار وما جاءني من أحد وتعقبه الدماميني بأن للمبرد أن يقول : قد أجمعنا على إجراء أبي مجرى النفي الصريح وأجزنا التفريغ فيه قال الله تعالى فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقال سبحانه : ويأبى الله إلا أن يتم نوره مع أنه لا يجوز أبي ديار المجيء وأبي من أحد الذهاب فما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا
وقال الرضي : أجاز المبرد الرفع في الآية على البدل لأن في لو معنى النفي وهذا كما أجاز الزجاج البدل في قوم يونس في قوله تعالى : فلو كانت قرية آمنت الآية إجراء للتحضيض مجرى النفي والأولى عدم إجراء ذينك في جواز الإبدال والتفريغ معهما مجراه إذ لم يثبت انتهى
وذكر المالكي في شرح التسهيل أن كلام المبرد في المقتضب مثل كلام سيبويه وأن التفريغ والبدل بعد لو غير جائز وكذا لا يصح الإستثناء من جهة المعنى ففي الكشف أن البدل والإستثناء في الآية ممتنعان معنى لأنه إذ ذاك لا يفيد ما سيق له الكلام من انتفاء التعدد ويؤدي إلى كون الآلهة بحيث لا يدخل في عدادهم الإله الحق مفض إلى الفساد فنفي الفساد يدل على دخوله فيهم وهو من الفساد بمكان ثم أن الصفة على ما ذهب إليه ابن هشام مؤكدة صالحة للإسقاط مثلها في قوله تعالى نفخة واحدة فلو قيل لو كان فيهما آلهة لفسدتا لصح وتأتي المراد وقال الشلوبين وابن الصائغ : لا يصح المعنى حتى تكون إلا بمعنى غير التي يراد بها البدل والعوض ورد بأنه يصير المعنى حينئذ لو كان فيهما عدد من الآلهة بدل وعوض منه تعالى شأنه لفسدتا وذلك يقتضي بمفهومه أنه لو كان فيهما اثنان هو عز و جل أحدهما لم تفسدا وذلك باطل
وأجيب بأن معنى الآية حينئذ لا يقتضي هذا المفهوم لأن معناها لو كان فيهما عدد من الآلهة دونه أو به سبحانه بدلا منه وحده عز و جل لفسدتا وذلك مما لا غبار عليه فاعرف والذي عليه الجمهور إرادة المغايرة والمراد بالفساد البطلان والإضمحلال أو عدم التكون والآية كما قال غير واحد مشيرة إلى دليل عقلي على نفي تعدد الآلهة وهو قياس استثنائي استثني فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم فكأنه قيل لو تعدد الإله في العالم لفسد لكنه لم يفسد ينتج أنه لم يتعدد الإله وفي هذا استعمال للو غير الإستعمال المشهور
قال السيد السند : أن لو قد تستعمل في مقام الإستدلال فيفهم منها ارتباط وجود التالي بوجود المقدم مع انتفاء التالي فيعلم منه انتفاء المقدم وهو على قلته موجود في اللغة يقال : لو كان زيد في البلد لجاءنا ليعلم منه أنه ليس فيه ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا : وقال العلامة الثاني : إن أرباب المعقول قد جعلوا لو أداة للتلازم دالة على لزوم الجزاء للشرط من غير قصد إلى القطع بانتفائهما ولهذا صح عندهم استثناء عين المقدم فهم يستعملونها للدلالة على أن العلم بالنتفاء الثاني علة للعلم بالنتفاء الأول ضرورة انتفاء الملزوم بالنتفاء اللازم من غير التفات إلى علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي لأنهم يستعملونها في القياسات لاكتساب العلوم والتصديقات ولا شك أن العلم بالنتفاء الملزوم لا يوجب العلم بانتفاء اللازم بل الأمر بالعكس وغذا تصفحنا وجدنا استعمالها على قاعدة اللغة أكثر لكن قد تستعمل على قاعدتهم كما في قوله تعالى لو كان فيهما الخ لظهر أن الغرض منه التصديق بانتفاء تعدد الآلهة لا بيان سبب انتفاء الفساد أه وفيه بحث يدفع بالعناية ولا يخفى عليك أن لبعض النحويين نحو هذا القول فقد قال الشلوبين وابن عصفور : إن لو

الصفحة 24