كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
لمجرد التعليق بين الحصولين في الماضي من غير دلالة على امتناع الأول والثاني كما أن إن لمجرد التعليق في الإستقبال والظاهر أن خصوصية المضي ههنا غير معتبرة
وزعم بعضهم : أن لو هنا لانتفاء الثاني لانتفاء الأول كما هو المشهور فيها ويتم الإستدلال ولا يخفى ما فيه على من دقق النظر ثم إن العلامة قال في شرح العقائد : إن الحجة إقناعية والملازمة عادية على ما هو اللائق بالخطابيات فإن العادة جارية بوقوع المانع والتغالب عن تعدد الحاكم وإلا فإن أريد الفساد بالفعل أي خروجهما عن هذا النظام المشاهد فمجرد التعدد لا يستلزمه لجواز الإتفاق على هذا النظام وإن أريد إمكان الفساد فلا دليل على انتفائه بل النصوص شاهدة بطي السماوات ورفع هذا النظام فيكون ممكنا لا محالة
وكذا لو أريد بفسادهما عدم تكونهما بمعنى أنه لو فرض صانعان لأمكن بينهما تمانع في الأفعال فلم يكن أحدهما صانعا فلم يوجد مصنوع لا تكون الملازمة قطعية لأن إمكان التمانع لا يستلزم إلا عدم تعدد الصانع وهو لا يستلزم انتفاء المصنوع على أنه يرد منع الملازمة إن أريد عدم التكون بالفعل ومنع انتفاء اللازم إن أريد بالإمكان انتهى فنفي أن تكون الآية برهانا سواء حمل الفساد على الخروج عن النظام أو على عدم التكون وفيه قدح لما أشار إليه في شرح المقاصد من كون كونها برهانا على الثاني فإنه بعد ما قرر برهان التمانع قال : وهذا البرهان يسمى برهان التمانع وإليه الإشارة بقوله تعالى لو كان فيهما آلهة الآية فإن أريد عدم التكون فتريره أن يقال : لو تعدد الآلهة لم تتكون السماء والأرض لأن تكونها إما بمجموع القدرتين أو بكل منهما أو بأحدهما والكل باطل أما الأول فلأن من شاء الإله كمال القدرة وأما الأخيران فلما مر من التوارد والرجحان من غير مرجح وإن أريد بالفساد الخروج عما هما عليه من النظام فتقريره أن يقال : إنه لو تعددت الآله لكان بينهما التنازع والتغالب وتمييز صنيع كل منهما عن الآخر بحكم اللزوم العادي فلم يحصل بين أجزاء العالم هذا الإلتئام الذي باعتباره صار الكل بمنزلة شخص واحد ويختل أمر النظام الذي فيه بقاء الأنواع وترتب الآثار انتهى وذلك القدح بأن يقال : تعدد الآله لا يستلزم التمانع بالفعل بطريق إرادة كل منهما وجود العالم بالإستقلال من غير مدخلية قدرة الآخر بل إمكان ذلك التمانع والإمكان لا يستلزم الوقوع فيجوز أن لا يقع بل يتفقان على الإيجاد بالإشتراك أو يفوض أحدهما إلى الآخر وبحث فيه المولى الخيالي بغير ذلك أيضا ثم قال : التحقيق في هذا المقام أنه إن حملت الآية الكريمة على نفي تعدد الصانع مطلقا فهي حجة إقناعية لكن الظاهر من الآية نفي تعدد الصانع المؤثر في السماء والأرض إذ ليس المراد من الكون فيهما التمكن فيهما بل التصرف والتأثير فالحق أن الملازمة قطعية إذ التوارد باطل فتأثيرهما إما على سبيل الإجتماع أو التوزيع فيلزم انعدام الكل أو البعض عند عدم كون أحدهما صانعا لأنه جزء علة أو علة تامة فيفسد العالم أي لا يوجد هذا المحسوس كلا أو بعضا ويمكن أن توجه الملازمة بحيث تكون قطعية على الإطلاق وهو أن يقال : لو تعدد الإله لم يكن العالم ممكنا فضلا عن الوجود وإلا لأمكن التمانع بينهما المستلزم للمحال لأن إمكان التمانع لازم لمجموع الأمرين من التعدد وإمكان شيء من الأشياء فإذا فرض التعدد يلزم إن لا يمكن شيء من الأشياء حتى لا يمكن التمانع المستلزم للمحال انتهى وأراد الفاضل الكلنبوي على الأول خمسة أبحاث فيها الغث والسمين ثم قال : فالحق أن توجيه الثاني لقطعية الملازمة صحيح دون الأول وللعلامة الدواني كلام في هذا المقام قد ذكر الفاضل المذكور ماله وما عليه من
الصفحة 25
216