كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
مشرب المتكلمين والفلاسفة يطلب من محله وقرأ الحسن لا يسل ويسلون بنقل فتحة الهمزة إلى السين وحذفها وقوله تعالى أم اتخذوا من دونه آلهة إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة حقيقية بإظهار خلوها عن خصائص الإلهية التي من جملتها الإنشار وإقامة البرهان القطعي على استحالة تعدد الآلهة مطلقا وتفرد سبحانه بالألوهية إلى بطلان اتخاذهم تلك الآلهة مع عرائها عن تلك الخصائص بالمرة شركاء لله تعالى شأنه وتبكيتهم بإلجائهم إقامة البرهان على دعواهم الباطلة وتحقيق أن جميع الكتب السماوية ناطقة بحقيقة التوحيد وبطلان الإشراك وجوز أن يكون هذا انتقالا لإظهار بطلان الآلهة مطلقا بعد إظهار بطلان الآلهة الأرضية والهمزة لإنكار الإتخاذ المذكور واستقباحه واستعظامه ومن متعلقة باتخذوا والمعنى بل اتخذوا متجاوزين إياه تعالى مع ظهور شئونه الجليلة الموجبة لتفرده بالألوهية آلهة مع ظهور أنها عارية عن خواص الألوهية بالكلية
قل لهم بطريق التبكيت والقام الحجر هاتوا برهانكم على ما تدعونه من جهة العقل الصريح أو النقل الصحيح فإنه لا يصح القول بمثل ذلك من غير دليل عليه وما في إضافة البرهان إلى ضميرهم من الإشعار بأن لهم برهانا ضرب من التهكم بهم وقوله تعالى : هذا ذكر من معي وذكر من قبلي إنارة لبرهانه وإشارة إلى أنه مما نطقت به الكتب الإلهية قاطبة وزيادة تهييد لهم على إقامة البرهان لإظهار كمل عجزهم أي هذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ذكر أمتي وعظتهم وذكر الأمم السالفة قد أقمته فأقيموا أنتم أيضا برهانكم وأعيد لفظ ذكر ولم يكتف بعطف الموصول على الموصول المستدعى للإنسحاب لأن كون المشخص ذكر من معه ظاهر وكونه ذكر من قبله باعتبار اتحاده بالحقيقة مع الوحي المتضمن ذلك
وقيل : المراد بالذكر الكتاب أي هذا كتاب أنزل على أمتي وهذا كتاب أنزل على أمم الأنبياء عليهم السلام من الكتب الثلاثة والصحف فراجعوها وانظروا هل في واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك ففيه تبكيت لهم متضمن لنقيض مدعاهم وقريء بتنوين ذكر الأول والثاني وجعل ما بعده منصوب المحل على المفعولية له لأنه مصدر وأعماله هو الأصل نحو أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما
وقرأ يحيى بن يعمر وطلحة بالتنوين وكسر ميم من فهي على هذا حرف جر ومع مجرورة بها وهي اسم يدل على الصحبة والإجتماع جعلت هنا ظرفا كقبل وبعد فجاز إدخال من عليها كما جاز إدخالها عليهما لكن دخولها عليها نادر ونص أبو حيان أنها حينئذ بمعنى عند وقيل : من داخلة على موصوفها أي عظمة من كتاب معي وعظة من كتاب من قبلي وأبو حاتم ضعف هذه القراءة لما فيها من دخول من على مع ولم ير له وجها وعن طلحة أنه قرأ هذا ذكر معي وذكر قبلي بتنوين ذكر وإسقاط من وقرأت فرقة هذا ذكر من بالإضافة وذكر من قبلي بالتنوين وكسر الميم وقوله تعالى : بل أكثرهم لا يعلمون الحق إضراب من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن وانتقال من الأمر بتبكيتهم بمطالعة البرهان إلى بيان أن الإحتجاج عليهم لا ينفع لفقدهم التمييز بين الحق والباطل فهم لأجل ذلك معرضون
24
- مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول لا يرعوون عما هم عليه من الغي والضلال وإن كررت عليهم البينات والحجج أو فهم معرضون
الصفحة 31
216