كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
الثوابت عن مركز الأرض خمسة وعشرون ألف ألف وأربعمائة واثنا عشر ألفا وثمانمائة وتسع وتسعون فرسخا وما ورد في الخبر من أن بين السماء والأرض خمسمائة عام وسمك السماء كذلك يقتضي أن يكون بين وجه الأرض والثوابت على هذا التقدير ألف عام وفراسخ مسيرة ذلك مع فراسخ نصف قطر الأرض وهي ألف ومائتان وثلاثة وسبعون تقريبا على ما قيل دون ما ذكر بكثير
ولا حاجة إلى أن يقال : العدد لا مفهوم له واختيار خمسمائة لما أن الخمسة عدد دائر فيكون في ذلك رمز خفي إلى الإستدارة كما قيل في كل فلك ويشير إلى صحة احتمال أن يكون الفلك في ثخن السماء ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : الشمس بمنزلة الساقية تجري في السماء في فلكها فإذا غربت جرت الليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر والأخبار المرفوعة والموقوفة في أمر الكواكب والسماوات والأرض كثيرة
وقد ذكر الجلال السيوطي منها ما ذكر في رسالة ألفها في بيان الهيئة السنية وإذا رصدتها رأيت أكثرها مائلا عن دائرة بروج القبول وفيها ما يشعر بأن للكواكب حركة قسرية نحو ما أخرجه ابن المنذر عن عكرمة ما طلعت الشمس حتى يؤمر لها كما توتر القوس ثم الظاهر أن يراد بالسباحة الحركة الذاتية ويجوز أن يراد بها الحركة العرضية بل قيل هذا أولى لأن تلك غير مشاهدة مشاهدة هذه بل عوام الناس لا يعرفونها وقيل يجوز أن يراد بها ما يعم الحركتين واستنبط بعضهم من نسبة السباحة إلى الكوكب أن ليس هناك حامل له يتحرك بحركته مطلقا بل هو متحرك بنفسه في الفلك تحرك السمكة في الماء إذ لا يقال للجالس في صندوق أو على جذع يجري في الماء إنه يسبح واختار أنه يجري في مجرى قابل للخرق والإلتئام كالماء ودون إثبات استحالة ذلك العروج إلى السماء السابعة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال وهو سبحانه ولي التوفيق وعلى محور هدايته تدور كرة التحقيق وهذه نبذة مما رأينا إيراده مناسبا لهذا المقام وسيأتي إن شاء الله تعالى نبذة أخرى مما يتعلق بذلك من الكلام وما جعلنا لبشر كائنا من كان من قبلك الخلد أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفا للحكمة التكوينية والتشريعية وقيل الخلد المكث الطويل ومنه قولهم للأثافي : خوالد واستدل بذلك على عدم حياة الخضر عليه السلام وفيه نظر أفائن مت بمقتضى حكمتنا فهم الخالدون
34
- نزلت حين قالوا فتربص به ريب المنون والفاء الأولى لتعليق الجملة الشرطية بما قبلها والهمزة لإنكار مضمونها وهي في الحقيقة لإنكار جزائها أعني ما بعد الفاء الثانية وزعم يونس أن تلك الجملة مصب الإنكار والشرط معترض بينهما وجوابه محذوف تدل عليه تلك الجملة وليس بذاته ويتضمن إنكار ما ذكر إنكار ما هو مدار له وجودا وعدما من شماتتهم بموته صلى الله عليه و سلم كأنه قيل أفإن مت فهم الخالدون حتى يشتموا بموتك وفي معنى ذلك قول الإمام الشافعي عليه الرحمة : تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تزود لأخرى مثلها فكأن قد وقول ذي الأصبع العدواني : إذا ما الدهر جر على أناس كلاكله أناخ بآخرينا
الصفحة 44
216