كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)

وزل وذام وذم وقوله تعالى : بالذين سخروا منهم أي من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى ما كانوا به يستهزؤن
41
- للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم و ما إما موصولة مفيدة للتهويل والضمير المجرور عائد عليها والجار متعلق بالفعل بعده وتقديمه لرعاية الفواصل أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث أهلكوا لأجله وإما مصدرية فالضمير راجع إلى جنس الرسول المدلول عليه بالجمع كما قالوا ولعل إيثار الإفراد على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاء استهزائهم بكل واحد منهم عليهم السلام لأجزاء استهزائهم بكلهم من حيث هو فقط أي فنزل بهم جزاء استهزائهم على وضع السبب في موضع المسبب إيذانا بكمال الملابسة بينهما أو عين استهزائهم أن أريد بذلك العذاب الأخروي بناء على ظهور الأعمال في النشأة الأخروية بصور مناسبة لها في الحسن والقبح قل أمر له صلى الله عليه و سلم أن يسأل أولئك المستهزئين سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغتروا بما غشيهم من نعم الله تعالى ويقول من يكلؤكم أي يحفظكم بالليل والنهار من الرحمن أي من بأسه بقرينة الحفظ وتقديم الليل لما أن الدواهي فيه أكثر وقوعا وأشد وقعا وفي التعرض لعنوان الرحمانية تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته تعالى وتلقين للجواب كما قيل في قوله تعالى ما غرك بربك الكريم وقيل إن ذلك إيماء إلى أن بأسه تعالى إذا أراد شديد أليم ولذا يقال نعوذ بالله عز و جل من غضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم
وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة يكلوكم بضمة خفيفة من غير همز وحكى الكسائي والفراء يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو وقوله تعالى بل هم عن ذكر ربهم معرضون
42
- إضراب عن ذلك تسجيلا عليهم بأنهم ليسوا من أهل السماع وأنهم قوم ألهتهم النعم عن المنعم فلا يذكرونه عز و جل حتى يخافوا بأسه أو يعدوا ما كانوا فيه من الأمن والدعة حفظا وكلاءة ليسألوا عن الكاليء على طريقة قوله : عوجوا فحيوا لنعمى دمنة الدار ماذا تحيون من نوء وأحجار وفيه أنهم مستمرون على الإعراض ذكروا ونبهوا أولا وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبيء عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاضية من الضلالة والغي ما لا يخفى وقيل أنه إضراب عن مقدر أي أنهم غير غافلين عن الله تعالى حتى لا يجدى السؤال عنه سبحانه كيف وهم إنما اتخذوا الآلهة وعبدوها لتشفع لهم عنده تعالى وتقربهم إليه زلفى بل هم معرضون عن ذكره عز و جل فالتذكير يناسبهم وهذا مع ظهوره مساق الكلام ووضوح انطباقه على مقتضى المقام قد خفى عن الناظرين وغفلوا عنه أجمعين أه
وتعقب بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم إذا ذكروا لا يذكرون ألا يرى قوله تعالى ولا يسمع الصم الدعاء بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل بأنهم ذكروا ولا يذكرون ألا يرى قوله تعالى ولا يسمع الصم الدعاء وما ذكر يقتضي العكس لتضمنه وصفهم بأجداء الإنذار والدعاء مع أن قوله غير غافلين مناف لما يدل عليه النظم الكريم فالحق ما تقدم وقوله تعالى أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا إعراض عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها فام منقطعة ببل والهمزة و لهم خير مقدم و آلهة مبتدأ وجملة تمنعهم صفته و من دوننا قيل صفة بعد صفة أي بل ألهم آلهة مانعة لهم

الصفحة 51