كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 17)
حال من فاعل تأتون مقررة للإنكار مؤكدة للإستبعاد وأورادوا كما قيل ما هذا إلا بشر مثلكم أي من جنسكم وما أتي به سحر تعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الإذعان والقبول وأنتم تعاينون أنه سحر قالوه بناء على ما ارتكز في اعتقادهم الزائغ أن الرسول لا يكون إلا ملكا وأن كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر وعنوا بالسحر ههنا القرآن ففي ذلك إنكار لحقيقته على أبلغ وجه قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون وإنما أسروا ذلك لأنه كان على طريق توثيق العهد وترتيب مبادي الشر والفساد وتمهيد مقدمات المكر والكيد في هدم أمر النبوة وإطفاء نور الدين والله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون وقيل أسروه ليقولوا للرسول صلى الله عليه و سلم والمؤمنين إن كان ما تدعونه حقا فأخبرونا بما أسررناه ورده في الكشف بأنه لا يساعده النظم ولا يناسب المبالغة في قوله تعالى وأسروا النجوى الذين ظلموا ولا في قوله سبحانه أفتأتون السحر قال ربي يعلم القول في السماء والأرض حكاية من جهته تعالى لما قال عليه الصلاة و السلام بعدما أوحي إليه أحوالهم وأقوالهم بيانا لظهور أمرهم ونكشاف سرهم ففاعل قال ضميره صلى الله عليه و سلم والجملة بعده مفعوله وهذه القراءة قراءة حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وأيوب وخلف وابن سعدان وابن جبير الأنطاكي وابن جرير وقرأ باقي السبعة قل على الأمر لنبيه صلى الله عليه و سلم و القول عام يشمل السر والجهر فإيثاره على السر لإثبات علمه سبحانه به على النهج البرهاني مع ما فيه من الإيذان بأن علمه تعالى بالأمرين على وتيرة واحدة لا تفاوت بينهما بالجلاء والخفاء قطعا كما في علوم الخلق
وفي الكشف أن بين السر والقول عموما وخصوصا من وجه والمناسب في هذا المقام تعميم القول ليشمل جهره وسره والأخفلا فيكون كأنه قيل يعلم هذا الضرب وما هو أعلى من ذلك وأدنى منه وفي ذلك من المبالغة في إحاطة علمه تعالى المناسبة لما حكى عنهم من المبالغة في الإخفاء ما فيه وإيثار السر على القول في بعض الآيات لنكتة تقتضيه هناك ولكل مقام مقال والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من القول أي كائنا في السماء والأرض وقوله سبحانه وهو السميع أي بجميع المسموعات العليم
4
- أي بجميع المعلومات وقيل أي المبالغ في العلم بالمسموعات والمعلومات ويدخل في ذلك أقوالهم وأفعالهم دخولا أوليا اعتراض تذييلي مقدر لمضمون ما قبله متضمن للوعيد بمجازاتهم على ما صدر منهم ويفهم من كلام البحر أن ما قبل متضمن ذلك أيضا بل قالوا أضغاث أحلام إضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية قول آخر مضطرب باطل أي لم يقتصروا على القول في حقه صلى الله عليه و سلم هل هذا إلا بشر مثلكم وفي حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم إنه سحر بل قالوا هو أي القرآن تخاليط الأحلام ثم اضطربوا عنه فقالوا : بل افتريه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل أو شبهة أصل ثم أضربوا فقالوا بل هو شاعر وما أتى به شعر يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها وهذا الإضطراب شأن المبطل المجوج فإنه لا يزال يتردد بين باطل وأبطل وبتذبذب بين فاسد وأفسد قبل الأولى كما نرى من كلامه عز و جل وهي انتقالية والمنتقل منه ما تقدم باعتبار خصوصه والأخيرتان من كلامهم المحكي وهما أبطاليتان لترددهم وتحيرهم في تزويرهم وجملة المقول داخلة في النجوى
الصفحة 9
216