كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

والفرق أن العادة أولا إنما هي مطردة في اعتياد أكل ذلك الطعام المخصوص فلا تكون قاضية على ما اقتضاه عموم لفظ الطعام وثانيا هي مطردة في تخصيص اسم الطعام بذلك الطعام الخاص فتكون قاضية على الإستعمال الأصلي أه ومنه يعلم أن الإستمناء باليد إن كان قد جرت عادة العرب على إطلاق ما وراء ذلك عليه دخل عند الجمهور وإن لم تجر عادتهم على فعله وإن كان لم تجر عادتهم على إطلاق ذلك عليه وجرت على إطلاقه على ما عداه من الزنا ونحوه لم يدخل ذلك الفعل في العموم عند الجمهور
ومن الناس من استدل على تحريمه بشيء آخر نحو ما ذكره المشايخ من قوله صلى الله عليه و سلم ناكح اليد ملعون وعن سعيد بن جبير عذب الله تعالى أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم وعن عطاء سمعت قوما يحشرون وأيديهم حبالى وأظن أنهم الذين يستمنون بأيديهم والله تعالى أعلم وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله ولا يخفى أن كل ما يدخل في العموم تفيد الآية حرمة فعله على أبلغ وجه ونظير ذلك إفادة قوله تعالى : ولا تقربوا الزنا حرمة فعل الزنا فافهم
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون
8
- قائمون يحفظها واصطلاحها وأصل الرعي حفظ الحيوان إما بغذائه الحافظ لحياته أو بذب العدو عنه ثم استعمل في الحفظ مطلقا والأمانات جمع أمانة وهي في الأصل مصدر لكن أريد بها هنا ما أئتمن عليه إذا لحفظ للعين لا للمعنى وأما جمعها فلا يعين ذلك إذ المصادر قد تجمع كما قدمنا غير بعيد وكذا العهد مصدر أريد به ما عوهد عليه لذلك والآية عند أكثر المفسرين عامة في كل ما ائتمنوا وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الناس كالتكاليف الشرعية والأموال المودعة والأيمان والنذر والقعود ونحوها وجمعت الأمانة دون العهد لأنها متنوعة متعددة جدا بالنسبة إلى كل مكلف من جهته تعالى ولا يكاد يخلو مكلف من ذلك ولا كذلك العهد
وجوز بعض المفسرين كونها خاصة فيما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الناس وليس بذاك ويجوز عندي أن يراد بالأمانات ماائتمنهم الله تعالى عليه من الأعضاء والقوى والمراد برعيها حفظها عن التصرف بها على خلاف أمره عز و جل وأن يراد بالعهد ما عاهدهم الله تعالى عليه مما أمرهم به سبحانه بكتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه و سلم والمراد برعيه حفظه عن الإخلال به وذلك بفعله على أكمل وجه فحفظ الأمانات كالتخلية وحفظ العهد كالتحلية وكأنه جل وعلا بعد أن ذكر حفظهم لفروجهم ذكر حفظهم لما يشملها وغيرها ويجوز أن تعمم الأمانات بحيث تشمل الأموال ونحوها وجمعها لما فيها لمن التعدد المحسوس المشاهد فتأمل
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في رواية لأمانتهم بالإفراد والذين هم على صلواتهم المكتوبة عليهم كما ألآخرج ابن المنذر عن أبي صالح وعبد بن حميد عن عكرمة يحافظون
9
- بتأديتها في أوقاتها بشروطها وإتمام ركوعها وسجودها وسائر أركانها كما روي عن قتادة
وأخرج جماعة عن ابن مسعود أنه قيل له : إن الله تعالى يكثر ذكر الصلاة في القرآن الذين هم على صلواتهم دائمون والذين هم على صلواتهم يحافظون قال : ذاك على مواقيتها قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على فعلها وعدم تركها قال : تركها الكفر وقيل : المحافظة عليها المواظبة على فعلها على أكمل وجه وجيء بالفعل دون الأسم كما في سائر رؤس الآي السابقة لما في الصلاة من التجدد والتكرر ولذلك جمعت في قراءة السبعة ما عدا الأخوين

الصفحة 11