كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)
وقيل الخلق الآخر الروح والمراد بها النفس الناطقة والمعنى أنشأنا له أو فيه خلقا آخر والمتبادر من إنشاء الروح خلقها وظاهر العطف بثم يقتضي حدوثها بعد حدوث البدن وهو قول أكثر الإسلاميين وإليه ذهب أرسطو وقيل إنشاؤها نفخها في البدن وهو عند بعض عبارة عن جعلها متعلقة به وعند أكثر المسلمين جعلها سارية فيه وإذا أريد بالروح الروح الحيوانية فلا كلام في حدوثها بعد البدن وسريانها فيه وقيل : الخلق الآخر القوى الحساسة وقال الضحاك ويكاد يضحك منه فيما أخرجه عنه عبد بن حميد : الخلق الآخر الأسنان والشعر فقيل له : أليس يولد وعلى رأسه الشعر فقال : فأين العانة والأبط وما أشرنا إليه من كون ثم للترتيب الزماني هو ما يقتضيه أكثر استعمالاتها ويجوز أن نكون للترتيب الرتبي فإن الخلق الثاني أعظم من الأول ورتبته أعلى وجاءت المعطوفات الأول بعضها بثم وبعضها بالفاء ولم يجيء جميعها بثم أو بالفاء مع صحة ذلك في مثلها للإشارة إلى تفاوت الإستحالات فالمعطوف بثم مستبعد حصوله مما قبله فجعل الإستبعاد عقلا أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسي لأن حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا وكذا جعل النطفة البيضاء السيالة دما أحمر جامدا بخلاف جعل الدم لحما مشابها له في اللون والصورة وكذا تصليب المضغة حتى تصير عظما وكذا مد لحمها عليه ليستره كذا قيل ولا يخلو عن قيل وقال
واستدل الإمام أبو حنيفة بقوله تعالى ثم أنشأناه الخ على أن من غصب بيضة فأفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرج لأنه خلق آخر قال في الكشف : وفي هذا الإستدلال نظر على أصل مخالفيه لأن مباينته للأول لا تخرجه عن ملكه عندهم وقال صاحب التقريب : إن تضمينه للفرخ لكونه جزءا من المغضوب لا لكونه عينه أو مسمى باسمه وفي هذا بحث وفي المسئلة خلاف كثير وكلام طويل يطلب من كتب الفروع المبسوطة
وقال الإمام : قالوا في الآية دلالة على بطلان قول النظام : إن الإنسان هو الروح لا البدن فإنه تعالى بين فيها أن الإنسان مركب من هذه الأشياء وعلى بطلان قول الفلاسفة : إن الإنسان لا ينقسم وإنه ليس بجسم وكأنهم أرادوا أن الإنسان هو النفس الناطقة والروح الأمرية المجردة فإنها التي ليست بجسم عندهم ولا تقبل الإنقسام بوجه وليست داخل البدن ولا خارجه فتبارك الله فتعالى وتقدس شأنه سبحانه في علمه الشامل وقدرته الباهرة تبارك فعل ماض لا يتصرف والأكثر إسناده إلى غير مؤنث والإلتفات إلى الإسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة والإشعار بأن ما ذكر من الأفاعيل العجيبة من أحكام الألوهية وللإيذان بأن حق كل من سمع ما فصل من آثار قدرته عز و جل أو لاحظه أن يسارع إلى التكلم به إجلالا وإعظاما لشؤونه جل وعلا أحسن الخالقين
14
- نعت للإسم الجليل وإضافة أفعل التفضيل محضة فتفيده تعريفا إذا أضيف إلى معرفة على الأصح
وقال أبو البقاء : لا يجوز أن يكون نعتا لأنه نكرة وإن أضيف لأن المضاف إليه عوض عن من وهكذا جميع باب أفعل منك وجعله بدلا وهو يقل في المشتقات أو خبر مبتدأ مقدر أي هو أحسن الخالقين والأصل عدم التقدير وتميز أفعل محذوف لدلالة الخالقين عليه أي أحسن الخالقين خلقا فالحسن للخلق قيل : نظيره قوله صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى جميل يحب الجمال أي جميل فعله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانقلب مرفوعا فاستتر والخلق بمعنى التقدير وهو وصف يطلق على غيره تعالى كما في قوله تعالى وإذ