كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

وسيبويه عد ذلك من أبنية العرب ولم يثبت بعضهم هذا الوزن أصلا
وقال أبو عبيد : أصل دريء دروء كسبوح فجعلت الضمة كسرة للإستثقال والواو ياء لانكسار ما قبلها كما قالوا في عتوعتي فوزنه فعول وكذا قيل في سرية وذرية وجعل بعضهم سرية من السر وهو النكاح أو الإخفاء والضم من تغييرات النسب فوزنه فعلية كما في الصحاح والأخفش يرى أنه من السرور وقد أبدلت الراء الأخيرة ياء وهو معهود في الفعل فقد قالوا : تسررت جارية وتسريت كما قالوا : تظننت وتظنيت فوزنه على هذا كما قال الخفاجي فعلية وجعل بعضهم ذرية نسبة إلى الذر على غير القياس لإخراجهم كالذر من أظهر آدم عليه السلام
وقرأ قتادة وزيد بن علي والضحاك دري بفتح الدال وروي ذلك عن نصر بن عاصم وأبي رجاء وابن المسيب وقرأ الزهري دري بكسر الراء وقرأ أبو عمرو والكسائي دريء بالكسر والهمزة آخره وهو بناء كثير في الأسماء نحو سكين وفي الأوصاف نحو سكير وقرأ قتادة أيضا وأبان بن عثمان وابن المسيب وأبو رجاء وعمرو بن قائد والأعمش ونصر بن عاصم دريء بالهمز وفتح الدال قال ابن آدم جني : وهذا عزيز لم يحفظ منه إلا السكينة بفتح السين وشد الكاف في لغة حكاها أبو زيد وقريء دءري بتقديم الهمزة ساكنة على الراء وهي نادر الشواذ وفي إعادة المصباح والزجاجة معرفين أثر سبقهما منكرين والأخبار عنهما بما بعدهما مع انتظام الكلام بأن يقال : كمشكاة فيها مصباح في زجاجة كأنها كوكب دري من تفخيم شأنهما ورفع مكانتهما بالتفسير أثر الإبهام والتفصيل بعد الإجمال وبإثبات ما بعدهما لهما بطريق الأخبار المنبيء عن القصد الأصلي دون الوصف المنبيء عن الإشارة إلى الثبوت في الجملة ما لا يخفى والجملة الأولى في محل الرفع على أنها صفة لمصباح والجملة الثانية في محل الجر على أنها صفة لزجاجة واللام مغنية كما في مجمع البيان وإرشاد العقل السليم عن الرابط كأنه قيل : فيها مصباح هو في زجاجة هي كأنها كوكب دري يوقد من شجرة أي يبتدأ إيقاد المصباح من شجرة مباركة أي كثيرة المنافع بأن رويت ذبالته بزيتها وقيل إنما وصفت بالبركة لأنها تتبت في الأرض التي بارك الله تعالى فيها للعالمين وقيل بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليه السلام زيتونة بدل من شجرة وقال أبو علي عطف بيان عليها وهو مبني على مذهب الكوفيين من تجويزهم عطف البيان في النكرات وأما البصريون فلا يجوزونه إلا في المعارف
وفي إبهام الشجرة ووصفها بالبركة ثم الإبدال أو بيانها تفخيم لشأنها وقد جاء في الحديث مدح الزيت لأنه منها أخرج عبد بن حميد في مسنده والترمذي وابن ماجه عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ائتدموا بالزيت وأدهنوا به فإنه من شجرة مباركة
وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها ذكر عندها الزيت فقالت : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمر أن يؤكل ويدهن ويسعط به ويقول أنه من شجرة مباركة وهو في حد ذاته ممدوح ففي الحديث أنه مصحة من الباسور وذكر له الأطباء منافع كثيرة وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يأكل الخبز به وأكل عليه الصلاة و السلام اللسان مطبوخا بالشعير وفيه الزيت والتوابل فليحفظ وقرأ الإخوان وأبو بكر الحسن وزيد بن علي وقتادة وابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش توقد بالتاء المثناة من فرق مضارع أو قدت مبنيا للمفعول على أن الضمير القائم مقام الفاعل للزجاجة وإسناد الفعل إليها قيل على سبيل المبالغة وقيل هو

الصفحة 167