كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

فهو من التشبيه المركب العقلي وقد شبه فيه الهيئة المنتزعة بأخرى فإن النور وإن كان لفظه مفردا دال على متعدد وكذا إذا كان المراد تشبيه ما نور الله تعالى به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبث فيها من مصباحها وفي الحواشي الطيبة الطيبية بعد اخييار أن المراد بالنور الهداية بوحي ينزله ورسوله يبعثه ما هو ظاهر في أن التشبيه من التشبيه المفرق بل صرح بذلك أخيرا واستدل عليه بأن التكرير في الآية يستدعي ذلك وقد أطال الكلام في هذا المقام ومنه أن المشبهات المناسبة على هذا المعنى صدر الرسول صلى الله عليه و سلم وقلبه الشريف واللطيفة الربانية فيه والقرآن وما يتأثر منه القلب عند استمداده والتفصيل أنه شبه صدره عليه الصلاة و السلام بالمشكاة لأنه كالكوة ذو وجهين فمن وجه يقتبس النور من القلب المستنير ومن آخر يفيض ذلك النور المقتبس على الخلق وذلك لاستعداده بانشراحه مرتين مرة في مصباح وأخرى عند إسرائه قال الله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه وهذا تشبيه صحيح قد اشتهر عن جماعة من المفسرين روي محي السنة عن كعب هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم المشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة والشجرة المباركة شجرة النبوة وروي الإمام عن بعضهم أن المشكاة صدر محمد عليه الصلاة و السلام والزجاجة قلبه والمصباح ما في قلبه من الدين وفي حقائق السلمي عن أبي سعيد الخراز المشكاة حوف محمد صلى الله تعالى عليه وسلم والزجاجة قلبه الشريف والمصباح النور الذي فيه وشبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه بالزجاجة المنعوتة بالكوكب الدري لصفائه وإشرافه وخلوصه عن كدورة الهوى ولوث النفس الأمارة وانعكاس نور اللطيفة إليه وشبهت اللطيفة القدسية المزهرة في القلب بالمصباح الثاقب
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : القلوب أربعة قلب أجود فيه مثل السراج يزهر وفيه أما القلب الأجود فقلب المؤمن سراجه فيه نوره الحديث وشبه نفس القرآن بالشجرة المباركة لثبات أصلها وتشعب فروعها وتأديها إلى ثمرات لا نهاية لها قال الله تعالى : كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها الآية وروي محيي السنة عن الحسن وابن زيد الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضيء تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم تقرأ وشبه ما يستمده نور قلبه الشريف صلوات الله تعالى وسلامه عليه من القرآن وابتداء تقويته منه بالزيت الصافي قال الله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا فكما جعل سبحانه القرآن سبب توقده منه في قوله تعالى يوقد من شجرة مباركة جعل ضوءه مستفادا من انعكاس نور اللطيفة إليه في قوله عز و جل ولو لم تمسسه نار
والمعنى على ما ذكر في إنسان العين يكاد سر القرآن يظهر للخلق قبل دعوة النبي صلى الله عليه و سلم وفيه مسحة من معنى قوله : رق الزجاج ورقت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر ومنه وصف الشجرة بكونها لا شرقية ولا غربية وعن ابن عباس تشبيه فؤاده صلى الله عليه و سلم بالكوكب الدري وأن الشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام ومعنى لا شرقية ولا غربية أنه ليس ينصراني فيصلي نحو المشرق ولا يهودي فيصلي نحو المغرب والزيت الصافي دين إبراهيم عليه السلام وقد يقال على تفريق التشبيه لكن

الصفحة 170