كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

وذكر أن قوله تعالى : لا شرقية ولا غربية إشارة إلى أنها ليست من عالم الحس الذي لا يخلو عن أحد الأمرين ولا يخفى عليك أن هذا مع تكلفه وابتنائه على ما أسسه الفلاسفة الذين هم في عمى عن نور الشريعة ولله تعالى در من قال فيهم : قطعت الأخوة عن معشر بهم مرض من كتاب الشفا فماتوا على دين رسطالس وعشنا على سنة المصطفى لا يناسب المقام ولا ينتظم معه أطراف الكلام وفيه ما يقتضي أن قوله تعالى نور على نور داخل في التمثيل وفيه خلاف ثم اعلم أنه يعلم بمعونة ما ذكرنا حال التشبيه على سائر الأقوال في المراد بالنور ولعل ما ذكرناه فيه أتم نورا وأشد ظهورا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور يهدي الله لنوره أي يهدي سبحانه هداية خاصة موصلة إلى المطلوب حتما لذلك النور المتضاعف العظيم الشأن وإظهاره في مقام الإضمار لزيادة تقريره وتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية الناشئة من إضافته إلى ضميره عز و جل من يشاء هدايته من عباده بأن يوفقهم سبحانه لفهم وجوده دلالة الأدلة العقلية والسمعية التي نور بها السماوات والأرض على وجه ينتفعون به أو بأن يوفقهم لفهم ما في القرآن من دلائل حقيته وكونه من عنده عز و جل من الإعجاز والإخبار عن الغيب وغير ذلك من موجبات الإيمان وفيه احتمالات أخر بحسب ما في النور من الأقوال وأيا ما كان ففيه إيذان بأن مناط هذه الهداية وملاكها ليس إلا بمشيئته تعالى وأن إظهار الأسباب بدونها بمعزل عن الإفضاء إلى المطالب : إذا لم يك التوفيق عونا لطالب طريق الهدى أعيت عليه مطالبه ويضرب الله الأمثال للناس في تضاعيف الهداية حسبما يقتضيه حالهم فإن لضرب المثل دخلا عظيما في باب الإرشاد لأنه إبراز للمعقول في هيئة المحسوس وتصوير لأوابد المعاني بصورة المأنوس ولذلك مثل جل وعلا المراد به ما يشمل القرآن أو القرآن المبين فقط بنور المشكاة وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار على ما في إرشاد العقل السليم للإيذان باختلاف ما أسند إليه تعالى من الهداية الخاصة وضرب الأمثال الذي هو من قبيل الهداية العامة كما يفصح عنه تعليق الأولى بمن شاء والثانية بالناس كافة
والله بكل شيء عليم
35
- معقولا كان أو محسوسا ظاهرا كان أو باطنا من قضيته أن تتعلق مشيئته تعالى بهداية من يليق بها ويستحقها من الناس دون من عداهم لمخالفته الحكمة التي هي مبنى التكوين والتشريع وأن تكون هدايته سبحانه العامة علة فنون مختلفة وطرائق حسبما تقتضيه أحوالهم وتقوم به الحجة له تعالى عليهم والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله وقيل جيء بها لوعد من تدبر الأمثال ووعيد من لم يكترث بها وقيل لبيان أن فائدة ضرب الأمثال التي هي التوضيح إنما هي للناس وليس بذاك وإظهار الاسم الجليل لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم وبما ذكر ةنفا من اختلاف حال المحكوم به ذاتا وتعلقا
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
36
- رجال الخ استئناف لبيان حال من حصلت لهم الهداية لذلك النور وذكر بعض أعمالهم القلبية والقالبية فالجار والمجرور أعني

الصفحة 173