كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

عنه من قوله : إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها الأغواص وتلا الآية حتى بلغ الآصال
وقرأ ابن عامر وأبو بكر والبحتري عن حفص ومحبوب عن أبي عمرو والمنهال عن يعقوب والمفضل وأبان يسبح بالياء التحتية والبناء للمفعول ونائب الفاعل له أو فيها إن لم يتعلق في بيوت به أو بالغدو والأولية للأول لأنه ولي الفعل والإسناد إليه حقيقي دون الأخيرين وجوز أن يكون المجرور فيما ذكر نائب الفاعل والجار فيه زائدا وفيه ارتكاب لما لا داعي إليه ورفع رجال على هذه القراءة على أنه فاعل لفعل محذوف أو خبر مبتدأ محذوف على ما في البحر أي يسبح له أو المسبح له رجال والجملة استئناف بياني وقع جوابا لسؤال نشأ من الكلام السابق وهذا نظير قوله : لبيك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح وهو قياسي عند الكثير فيجوز عندهم أن يقال : ضربت هند زيدا بتقدير ضربها أو ضاربها زيد وليس هذا كذكر الفاعل تمييزا بعد العل المبني للمفعول نحو ضرب أخوك رجلا المصرح بعدم جوازه ابن هشام في الباب الخامس من المغنى وإن أوهمت العلة أنه مثله فتأمل
وقرأ أبو حيوة وابن وثاب تسبح بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو رجال والتأنيث لأن جمع التكثير كثير ما يعامل معاملة المؤنث وقرأ أبو جعفر تسبح بالتاء الفوقية والبناء للمفعول وهو قوله تعالى بالغدو والآصال على أن الباء زائدة والإسناد مجازي يجعل الأوقات المسبحى فيها ربها مسبحة وجوز أبو حيان أن يكون الإسناد إلى ضمير التسبيحة الدال عليه تسبح أي تسبح هي أي التسبيحة كما قالوا في قوله تعالى : ليجزي قوما على قراءة من بنى يجزي للمفعول أي ليجزي هو أي الجزاء قال في إرشاد العقل السليم : وهذا أولى من التوجيه الأولى إذ ليس هنا مفعول صريح وضعفه بعضهم هنا بأن الوحدة لا تناسب المقام وأجيب بالتزام كون الوحدة جنسية وأيا ما كان فرفع رجال على هذه القراءة على الفاعلية أو الخبرية كما سمعت آنفا والتنوين فيه على جميع القراءات للتفخيم وقوله سبحانه : لا تلهيهم تجارة صفة له مؤكدة فلما أفاده التنوين من الفخامة مفيدة لكمال تبتلهم إلى الله تعالى من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم كائنا ما كان وتخصيص الرجال بالذكر لأنهم الأحقاء بالمساجد فقد أخرج أحمد والبيهقي عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خير مساجد النساء قعر بيوتهن وتخصيص التجارة التي هي المعارضة مطلقا بذلك لكونها أقوى الصوارف عندهم وأشهرها أي لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة ولا بيع أي ولا فرد من أفراد البياعات وإن كان في غاية الريح وإفراده بالذكر اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلها ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة لا لتذكير النفي وتأكيده وجوز أن يراد بالتجارة المعارضة الرابحة وبالبيع المعارضة مطلقا فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة ونقل عن الواقدي أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم وقيل : المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة ومنه يقال : تجر في كذا أي جلبه ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله

الصفحة 177