كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)
أن لخلق ما يحتاج إليه بقاؤهم إثر بيان خلقهم وقيل : استدلال على البعث أي خلقنا في جهة العلو من غير اعتبار فوقيتها لهم لأن تلك النسبة إنما تعرض بعد خلقهم سبع طرائق هي السماوات السبع و طرائق جمع طريق بمعتى مطروقة من طرق النعل والخوافي إذا وضع طاقاتها بعضها فوق بعض قاله الخليل والفراء والزجاج فهذا كقوله تعالى طباقا ولكل من السبع نسبة وتعلق بالمطارقة فلا تغليب وقيل : جمع طريقة بمعناها المعروف وسميت السماوات بذلك لأنها طرائق الملائكة عليهم السلام في هبوطهم وعروجهم لمصالح العباد أو لأنها طرائق الكواكب في مسيرتها
وقال ابن عطية : يجوز أن يكون الطرائق بمعنى المبسوطات من طرقت الحديد مثلا إذا بسطته وهذا لا ينافي القول بكريتها وقيل : سمعت طرائق لأن كل سماء طريقة وهيئة غير هيئة الأخرى وأنت تعلم أن الظاهر أن الهيئة واحدة نعم أودع الله تعالى في كل سماء ما لم يودعه سبحانه في الأخرى فيجوز أن تكون تسميتها طرائق لذلك وما كنا على الخلق أي عن جميع المخلوقات التي من جملتها السماوات السبع غافلين
17
- مهملين أمره بل نفيض على كل ما تقتضيه الحكمة ويجوز أن يراد بالخلق الناس والمعنى أن السماوات لأجل منافعهم ولسنا غافلين عن مصالحهم و وأل على الوجهين للإستغراق وجوز أن تكون للعهد على أن المراد بالخلق المخلوق المذكور وهو السماوات السبع أي وما كنا عنها غافلين بل نحفظها عن الزوال والإختلال وندبر أمرها والإظهار في مقام الإضمار للإعتناء بشأنها وإفراد الخلق على سائر الأوجه لأنه مصدر في الأصل أو لأن المتعدد عنده تعالى في حكم شيء واحد
وأنزلنا من السماء ماء هو المطر عند كثير من المفسرين والمراد بالسماء جهة العلو أو السحاب أو معناها المعروف ولا يعجز الله تعالى وكان الظاهر على هذا منها بدل السماء ليعود الضمير على الطرائق إلا أنه عدل عنه إلى الإضمار لأن الإنزال منها لا يعتبر في كونها طرائق بل مجرد كونها جهة العلو وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح للإعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر وقوله تعالى : بقدر صفة ماء أي أنزلنا ماء متلبسا بمقدار ما يكفيهم في حاجهم ومصالحهم أو بتقدير لائق لاستجلاب منافعهم ودفع مضارهم وجوز على هذا أن يكون في موضع الحال من الضمير وقيل : هو صفة لمصدر محذوف أي إنزالا متلبسا بذلك وقيل : في الجار والمجرور غير ذلك فأسكناه في الأرض أي جعلناه ثابتا قارا فيها ومن ذلك ماء العيون ونحوها ومعظم الفلاسفة يزعمون أن ذلك الماء من انقلاب البخار المحتبس في الأرض ماء إذا مال إلى جهة منها وبرد وليس لماء المطر دخل فيه وكونه من السماء باعتبار أن لأشعة الكواكب التي فيها مدخلا فيه من حيث الفاعلية
وقال ابن سينا في نجاته : هذه الأبخرة المحتبسة في الأرض إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب الأنهار إليها ثم ارتفع من البحار والبطائح وبطون الجبال خاصة أبخرة أخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائما وما في الآية يؤيد ما ذهب إليه أبو البركات البغدادي منهم فقد قال في المعتبر : إن السبب في العيون والقنوات وما يجري مجراها هو ما يسيل من الثلوج ومياه الأمطار لأنا نجدها تزيد بزيادتها وتنقص