كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

نعرفه عن أحد من السلف ولا ذكره فقهاؤنا وما أظنه إلا بدعة ولا يعد فاعلها إلا مضحكة للعقلاء وكون المزور حيا في قبره لا يستدعي الإستئذان في الدخول لزيارته وكذا ما ذكره بعض الفقهاء من أنه ينبغي للزائر التأدب مع المزور كما يتأدب معه حيا كما لا يخفى وقد رأيت بعد كتابتي هذه في الجوهر المنتظم في زيارة القبر المعظم صلى الله تعالى عليه وسلم لابن حجر المكي ما نصه قال بعضهم : وينبغي أن يقف يعني الزائر بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء انتهى
وفيه أنه لا أصل لذلك ولا حال ولا أدب يقتضيه انتهى ومنه يعلم أنه إذا لم يشرع ذلك في زيارة قبره عليه الصلاة و السلام فعدم مشروعيته في زيارة غيره من باب أولى فاحفظ ذاك والله تعالى يعصمنا من البدع وإياك وقيل في قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الخ إن فيه أمرا بغض بصر النفر عن مشتهيات الدنيا وبصر القلب عن رؤية الأعمال ونعيم الآخرة وبصر السر عن الدرجات والقربات وبصر الروح عن الإلتفات إلى ما سوى الله تعالى وبصر الهمة عن أن يرى نفسه أهلا لشهود الحق تنزيها له تعالى وإجلالا وأمرا بحفظ فرج الباطن عن تصرفات الكونين فيه والإشارة بأمر النساء بعدم إبداء الزينة إلا لمن استثنى إلى أنه لا ينبغي لمن تزين بزينة الإسرار أن يظهرها لغير المحارم ومن لم يسترها عن الأجانب وبقوله تعالى وانكحوا الأيامي منكم الخ إلى النكاح المعنوي وهو أن يودع الشيخ الكامل في رحم القلب من صلب الولاية نطفة استعداد قبول الفيض الإلهي وقد أشير إلى هذا الإستعداد بقوله سبحانه إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ثم قال جل وعلا وليستعفف أي ليحفظ الذين لا يجدون شيخا في الحال أرحام قلوبهم عن تصرفات الدنيا والهوى والشيطان حتى يغنيهم الله من فضله بأن يوفق لهم شيخا كاملا أو يخصهم سبحانه بجذبة من جذباته وأشير بقوله تعالى والذين يبتغون الكتاب الخ إلى أن المريد إذا طلب الخلاص عن قيد الرياضة لزم إجابته أن علم فيه الخير وهو التوحيد والمعرفة والتوكل والرضا والقناعة وصدق العمل والوفاء بالعهد ووجب أن يؤتى بعض المواهب التي خصها الله تعالى بها الشيخ وأشير بقوله تعالى ولا تكرهوا الخ إلى أن النفس إذا لم تكن مائلة إلى التصرف في الدنيا لم تكره عليه وقوله تعالى الله نور السماوات والأرض كلام طويل عريض وفيما قدمنا ما يصلح أن يكون من هذا الباب وذكر أن قوله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله مما يدخل في عمومه أهل الطريقة العلمية النقشبندية الذين حصل لهم الذكر القلبي ورسخ في قلوبهم بحيث لا يغفلون عنه سبحانه في حال من الأحوال وهذا وإن ثبت لغيرهم من أرباب الطرائق فإنما يثبت في النهايات دون المباديء كما يثبت لأهل تلك الطريقة وفي مكتوبات الإمام الرباني قدس ره ما يغني عن الإطالة في شرح أحوال هؤلاء القوم وبيان منزلتهم في الذكر والحضور بين سائر الأقوام حشرتا الله تعالى وإياهم تحت لواء النبي عليه الصلاة و السلام وقيل إن قوله تعالى ومن يجعل الله له نورا فما له من نور إشارة لما ورد في حديث خلق الله تعالى الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومنه أخطأه ضل والله تعالى الموفق لصالح العمل ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض الخ استئناف خوطب به النبي صلى الله عليه و سلم

الصفحة 186