كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

للإيذان كما في إرشاد العقل السليم بأن الله تعالى قد أفاض عليه مراتب النور وأجلاها وبين له من أسرار الملك والملكوت أدقها وأخفاها وقال الطبرسي هو بيان للآيات التي جعلها نورا والخطاب له عليه الصلاة و السلام والمراد به جميع المكلفين والهمزة للتقرير والرؤيى هنا بمعنى العلم والظاهر أن إطلاقها عليه حقيقة وقيل هي حقيقة في الإبصار وإطلاقها على العلم استعارة أو مجاز لعلاقة اللزوم وأياما كان فالمراد ألم تعلم بالوحي أو بالمكاشفة أو بالإستدلال أن الله تعالى ينزهه آنا فآنا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل ما لا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل تنزيها معنويا تفهمه العقول السليمة جميع من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان فإن كل موجود من الموجودات الممكنة مركبا كان أو بسيطا فهو من حيث ذاته ووجوده وأحواله المتجددة له يدل على صانع واجب الوجود متصف بصفات الكمال منزه عن كل ما لا يليق بشأن من شؤنه الجليلة وقد نبه سبحانه على كمال قوة تلك الدلالة وغاية وضوحها حيث عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذي هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال وتخصيص التنزيه بالذكر مع دلالة ما فيهما على اتصافه تعالى بنعوت الكمال أيضا لما أن مساق الكلام لتقبيح حال الكفرة في إخلالهم بالتنزيه يجعلهم الجمادات شركاء له سبحانه في الألوهية ونسبتهم إياه عز و جل إلى اتخاذ الولد ونحو ذلك مما تعالى الله عنه علوا كبيرا وإطلاق من على العقلاء وعيرهم بطريق التغليب ولا يغني عن اعتباره أو اعتبار مجاز مثله إسناد التسبيح المختص بالعقلاء بحسب الظاهر كما توهمه بعض الأجلة وحمل بعضهم التسبيح على معنى مجازي شامل لتسبيح العقلاء وغيرهم ويسمى عموم المجاز ورد بأن بعضا من العقلاء وهم الكفرة من الثقلين لا يسبحونه بذلك المعنى قطعا وإنما تسبيحهم ما ذكر من الدلالة التي يشاركهم فيها غير العقلاء أيضا وفي ذلك من تخطئتهم وتعييرهم ما فيه والقول بأن الكفرة يسبحون كالمؤمنين لكن من حيث لا يشعرون كما قال الحلاج : جحودي لك تقديس مما لا يقبله ذوو العقول وحري بأن لا يكون من المقبول وقال بعضهم إذا كانت من للتغليب يندرج في عمومها العقلاء المطيعون والعقلاء العاصون وغير العقلاء مطلقا فيحمل التسبيح على معنى مجازي يصح نسبته إلى كل مما ذكر وأي مانع من ذلك وهو كما ترى
واستظهر أبو حيان إبقاء التسبيح على ظاهره وتخصيص من بالعقلاء المطيعين وما ذكر أولا أولى
والطير بالرفع عطفا على من وتخصيصها بالذكر عليه مع اندراجها في جملة ما في الأرض لعدم استمرار قرارها فيها واستقلالها بصنع بارع وإنشاء رائع قصد بيان تسبيحها من تلك الجهة لوضوح أنبائها على كمال قدرة صانعها ولطف تدبير مبدعها حسبما يعرب عنه التقييد بقوله تعالى : صافات أي تسبحه الطير حال كونها صافات أجنحتها فإن أعطاه تعالى للأجرام الثقيلة ما يتمكن به من الوقوف في الجو والحركة كيف شاء من الأجنحة والأذناب الخفية وإرشادها إلى كيفية استعمالها بالقبض والبسط والتحريك يمينا وشمالا ونحو ذلك حجة واضحة الدلالة على كمال قدرة الصانع المجيد وغاية حكمة المبديء المعيد والعطف على ما استظهره أبو حيان على من أيضا وقد صرح بذلك ونقل عن الجمهور أن تسبيحها حقيقي وظاهره أنه على نحو تسبيح العقلاء من الثقلين ولعل ملتزم ذلك لا يلتزم وجوب كون التسبيح الحقيقي بالألفاظ المألوفة لنا وإلا لا يتسنى القول بأن تسبيحها حقيقي مع هذا الوجوب لفقد الألفاظ المألوفة لنا منها ويجوز أن يقال : إنه

الصفحة 187