كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى لها شاعرا مني أطلب وأشعرا وأكثر بيتا شاعرا ضربت له بطون جبال الشعر حتى تيسرا ويقال : عنده جبل من ذهب وجبل من علم وعن مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين أن المراد بالسماء المظلمة وبالجبال حقيقتها قالوا : إن الله تعالى خلق في السماء جبالا من برد كما خلق في الأرض جبالا من حجر وليس في العقل ما ينفيه من قاطع فيجوز إبقاء الآية على ظاهرها كما قيل والمشهور بين أهل الحكمة أن انبعاث قوى السماويات وأشعتها قد يوجب تصعيد أجسام لطيفة مرتفعة عن الماء ممتزجة مع الهواء وهي التي سمي بخارا ولثقله بالنسبة إلى الدخان لرطوبته ويبس الدخان يقف في حيز الهواء بحيث لا يكون واصلا إليه الحرارة الكائنة من الشعاع المنعكس عن جرم الأرض ويكون متباعدا عن المتسخن بحرارة النار فيبقى في الطبقة الباردة من الهواء فيبرد ويتكاثف بالتصاعد شيئا فشيئا فيرتكم منه سحاب فيقطر مطرا إما كله أو بعضه ويتفرق بعضه لبقائه على صورته الهوائية واستحالة ما قطر إلى صورته المائية فإن طالت مسافتها اتصلت فكانت قطراتها أكبر وإن اشتد البرد عليها صارت بردا أو نزلت ثلجا وامتنع تصاعد البخار عند ذلك فيبرد وجه الأرض مع برد الجو فيكون من البرد القوي فإن صادف ريحا اشتد البرد لإزالتها البخار الأرضي وإن لم يصادف ريحا أذاب البخار الثلج وسخن وجه الأرض وذكروا أنه كلما طالت المسافة اتصلت وكبرت القطرات وصادف البرد كان البرد أكبر مقدارا وقد ينعقد المطر بردا داخل السحاب ثم ينزل وذلك في الربيع عندما يصيبه سخونة من خارجه فتبطن البرودة في داخله عند انحلاله قطرات فيجمد وقد يكون البخار أكثر تكاثفا فلا يقوى على الإرتفاع ويبرد بسرعة بما يوافيه من برد الليل لعدم الشعاع وليس بحيث يصير سحابا فيكون منه الظل وقد يجمد في الأعالي قبل تراكمه فيكون منه الصقيع وقد يتكاثف الهواء لإفراط البرد فينعقد سحابا ويمطر بحاله والحق أن كل ذلك مستند إلى إرادة الله عز و جل ومشيئته سبحانه المبنية على الحكم والمصالح والأسباب التي ذكرت عادية ولا أرى بأسا بالقول بذلك وباعتبار أن أول الأسباب القوى السماوية وأشعتها صح أن يقال : إن الإنزال مبتدأ من السماء على ما أشار إليه العلامة البيضاوي في الكلام على سورة البقرة وحمل الآية على ما يوافق المشهورة لا يخل بجزالتها بل هي عليه أجزل وعن شكوك العوام أبعد لا سيما أهل الجبال الذين قد يمطرون وينزل على أرضهم البرد وهم فوق الجبال في الشمس فيصيب به أي بما ينزل من البرد من يشاء أي يصيبه فيناله ما يناله من ضرر في ماله ونفسه ويصرفه عن من يشاء أن يصرفه عنه فينجو من غائلته ورجوع الضميرين إلى البرد هو الظاهر
وفي البحر يحتمل رجوعهما إلى الودق والبرد فيهما مجرى اسم الإشارة كأنه قيل فيصيب بذلك ويصرف ذلك والمطر أغلب في الإصابة والصرف وأبلغ في المنفعة والإمتنان أه وفيه بعد ومنع ظاهر
يكاد سنا برقه أي ضوء برق السحاب الموصوف بما مر من الإزجاء والتأليف وغيرهما وإضافة البرق إليه قبل الإخبار بوجوده للإيذان بظهور أمره واستغنائه على التصريح به وعلى ما سمعت عن أبي بجيلة لا يحتاج إلى هذا ورجوع الضمير إلى البرد أي برق البرد الذي يكون معه ليس بشيء وتقدم الكلام في حقيقة البرق فتذكر
وقرأ طلحة بن مصرف سناء ممدودا برقه بضم الباء وفتح الراء جمع برقة بضم الباء وهي المقدار

الصفحة 191