كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

جميعهم لا إلى الفريق المتولي منهم فقط وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الكفر والفساد أي وما أولئك الذين يدعون الإيمان والطاعة ثم يتولى بعضهم الذين يشاركونهم في العقد والعمل بالمؤمنين
47
- أي المؤمنين حقيقة كما يعرب عنه اللام أي ليسوا بالمؤمنين المعهودين بالإخلاص والثبات عليه ونفي الإيمان بهذا المعنى عنهم مقتض لنفيه عن الفريق على أبلغ وجه وآكده ولذا اختير كون الإشارة إليهم وجوز أن تكون للفريق على أن المراد بهم فريق منافقون وضمير يقولون للمؤمنين مطلقا والحكم على أولئك الفريق بنفي الإيمان لظهور أمارة التكذيب الذي هو التولي منهم و ثم على هذا حسبما قرره الطيبي للإستبعاد كأنه قيل كيف يدخلون في زمرة المؤمنين الذين يقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يعرضون ويتجاوزون عن الفريق المؤمنين ويرغبون عن تلك المقالة وهذا بعيد عن العاقل المميز وعلى الأول حسبما قرره أيضا للتراخي في الرتبة إيذانا بارتفاع درجة كفر الفريق المتولي عنهم انحطاط درجة أولئك
وفي الكشف أن الكلاف على تقدير كون الإشارة إلى القائلين لا إلى الفريق المتولي وحده كالإستدراك وفيه دلالة على توغل المتولي في الكفر وأصل الكفر شامل للطائفتين وأما على تقدير اختصاص الإشارة بالمتولي ففائدة ثم استبعاد التولي بعد تلك المقالة وفائدة الأخبار إظهار أنهم لم يثبتوا على قولهم كأنه قيل يقولون هذا ثم يوجد فيهم ما يضاده فلا يكون في دليل خطابه أن غيرهم مؤمن انتهى وعليه فضمير يقولون للمنافقين الشاملين للفريق المتولي لا للمؤمنين مطلقا على الوجهين فتأمل
وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أي وبين خصومهم وضمير يحكم للرسول عليه الصلاة و السلام وجوز أن يكون الضمير عائدا إلى ما يفهم من الكلام إلى المدعو إليه وهو شامل لله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام لكن المباشر للحكم صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر الله تعالى على الوجهين لتفخيمه عليه الصلاة و السلام والإيذان بجلالة محله عنده تعالى وأن حكمه في الحقيقة حكم الله عز و جل فقد قالوا : إنه إذا ذكر اسمان متعاطفان والحكم إنما هو لأحدهما كما في نحو قوله تعالى : يخادعون الله والذين آمنوا أفاد قوة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه وإنهما بمنزلة شيء واحد بحيث يصح نسبة أوصاف أحدهما وأحواله إلى الآخر وضمير ادعوا يعود إلى ما يعود إليه ضمير يقولون أي وإذا دعى المنافقون أو المؤمنون مطلقا إذا فريق منهم معرضون
48
- أي فاجأ فريق منهم الإعراض عن المحاكمة إليع عليه الصلاة و السلام لكون الحق عليهم وعلمهم بأنه صلى الله عليه و سلم لا يحكم بالحق والجملة الشرطية شرح للتولي ومبالغة فيه حيث أفادت مفاجأتهم الإعراض عقب الدعوة دون الحكم عليهم مع ما في الجملة الإسمية الواقعة جزاء من الدلالة على الثبوت والإستمرار على ما هو المشهور والتعبير بينهم دون عليهم لأن المتعارف قول أحد المتخاصمين للآخر : إذهب معي إلى فلان ليحكم بيننا لا عليك وهو الطريق المنصف وقيل : هذا الإعراض إذا اشتبه عليهم الأمر ولذا قال سبحانه : بينهم لا عليهم وفي ذلك زيادة في المبالغة في ذمهم وفيه بحث
وإن يكن لهم الحق أي لا عليهم كما يؤذن به تقديم الخبر يأتوا إليه أي إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم

الصفحة 195