كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

وسطه لجعله ككلمة واحدة كما خفف يلدا في قوله
وذي ولد لم يدله أبوان
وعن ابن الأنباري أنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره فيقولون لم أر زيدا يسقطون الحرف للجزم ثم يسكنون ما قبل وعلى ذلك قوله : ومن يتق فإن الله معه ورزق الله مؤتاب وغاد وقوله : قالت سيلمى اشتر لنا سويقا وهات خبز البر أو دقيقا والهاء إما للسكت وحركت لالتقاء الساكنين أو ضمير وكان القياس ضمنها حينئذ كما في منه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديرا وضعف الأول لتحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل كذا قيل فلا تغفل وأقسموا بالله حكاية لبعض آخر من أكاذيب الكفرة المنافقين مؤكدا بالأيمان الفاجرة فهو عود على بدء والقسم الحلف وأصله من القسامة وهي الأيمان تقسم على متهمين بقتل حسبما بين في كتب الفقه ثم صار إسما لكل حلف وقوله سبحانه جهد أيمانهم نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المحذوف وجملة ذلك الفعل مع فاهله في موضع الحال أو هو نصب على الحال أي حلفوا به تعالى يجهدون أيمانهم جهدا أو جاهدين أيمانهم ومعنى جهد اليمين بلوغ غايتها بطريق الإستعارة من قولهم : جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها والمراد أقسموا بالغين أقصى مراتب اليمين في الشدة والوكادة وجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لأقسموا أي أقسموا أقسام اجتهاد في اليمين قال مقاتل : من حلف بالله تعالى فقد اجتهد في اليمين
والظاهر هنا أنهم الأيمان وشددوها ولم يكتفوا بقول والله لئن أمرتهم أي بالخروج كما يدل عليه قوله تعالى ليخرجن والمراد بهذا الخروج للجهاد كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما يدل على أن المراد الخروج من الأموال
وأيا ما كان فالجملة جواب لأقسموا وجواب الشرط محذوف لدلالة هذه الجملة عليه وهي حكاية بالمعنى والأصل لنخرجن بصيغة المتكلم مع الغير وقيل الأصل لخرجنا إلا أنه أريد حكاية الحال الماضية فعبر بذلك وتعقب بأن المعتبر زمان الحكم وهو مستقبل قل أي ردا عليهم وزجرا لهم عن التفوه بتلك الأيمان وإظهارا لعدم القبول لكونهم كاذبين لا تقسموا على ما ينبيء عنه كلامكم من الطاعة طاعة معروفة خبر مبتدأ محذوف أي طاعتكم طاعة والجملة تعليل للنهي كأنه قيل لا تقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة معروفة بأنها واقعة باللسان فقط من غير واطأة من القلب لا يجهلها أحد من الناس وقيل التقدير المطلوب منكم طاعة معلومة لا يشك فيها كطاعة الخلص من المؤمنين وقيل طاعة مبتدأ خبره محذوف أي طاعة معروفة متوسطة على قدر الإستطاعة أمثل وأولى بكم من قسمكم واختاره الزجاج وقيل مرفوع بفعل مقدر أي لتكن طاعة معروفة منكم وضعف الكل بأنه مما لا يساعده المقام والأخير بأن فيه حذف الفعل في غير موضع الحذف
وقال البقاعي : لا تقدير في الكلام و طاعة مبتدأ خبره معروفة وسوغ الإبتداء بالنكرة أنها أريد بها

الصفحة 199