كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

نعمة فمن الله كأنه قيل فإن تتولوا فاعلموا أنما عليه الخ هذا واختار بعضهم دخول الجملة الشرطية في حيز القول قال الطيبي : الظاهر أنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه و سلم بأن يقول لهم : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا يخاف مضرتهم فكان أصل الكلام قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليك ما حملت وعليهم ما حملوا بمعنى فما يضرونك شيئا وإنما يضرون أنفسهم على الماضي والغيبة في تولوا فصرف الكلام إلى المضارع والخطاب في تتولوا بحذف إحدى التاءين بمعنى فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم لتكون المواجهة بالخطاب أبلغ في تبكيتهم وجعل ذلك جاريا مجرى الإلتفات وجعله غيره التفاتا حقيقيا من حيث أنهم جعلوا أولا غيبا حيث أمر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بخطابهم بقل لهم ثم خوطبوا بأن تتولوا استقلالا من الله تعالى لا من رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يخفى أن حمل الآية على الخطاب الإستقلالي الغير الداخل تحت القول أدخل في التبكيت
وفي الأحكام أنه استدل بهذه الآية على أن الأمر للوجوب لأنه تعالى أمر بالإطاعة ثم هدد بقوله تعالى فإن تولوا الخ والتهديد على المخالفة دليل الوجوب وتعقب بأنه لا نسلم أن ذلك للتهديد بل للإخبار وإن سلمنا أنه للتهديد فهو دليل على الوجوب فيما هدد على تركه ومخالفته من الأوامر وليس فيه ما يدل على أن كل أمر مهدد بمخالفته بدليل أمر الندب فإن المندوب مأمور به وليس مهددا على مخالفته وإذا انقسم الأمر إلى مهدد عليه وغير مهدد عليه وجب اعتقاد الوجوب فيما هدد عليه دون غيره وبه يخرج الجواب عن كل صيغة أمر هدد على مخالفتها وحذر منها ووصف مخالفها بكونه عاصيا وبه يدفع أكثر ما ذكره القائلون بالوجوب في معرض الإستدلال على دعواهم فتدبر
وأن تطيعوه فيما أمركم به عليه الصلاة و السلام من الطاعة تهتدوا إلى الحق الذي هو المقصد الأصلي الموصل إلى كل خير المنجي عن كل شر ولعل في تقديم الشق الأول وتأخير هذا إشارة إلى أن الترهيب أولى بهم وأنهم ملابسون لما يقتضيه وفي الإرشاد تأخير بيان حكم الإطاعة عن بيان حكم التولي لما في تقديم الترهيم من تأكيد الترغيب وتقريبه مما هو من بابه من الوعد الكريم وقوله تعالى : وما على الرسول إلا البلاغ المبين
54
- اعتراض تذييلي مقرر لما قبله من أن غائلة التولي وفائدة الإطاعة مقصورتان على المخاطبين وأل أما للجنس المنتظم صلى الله عليه و سلم انتظاما أوليا أو للعهد أي ما على جنس الرسول كائنا من كان أو ما على رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح أو الواضح في نفسه على أن المبين من أبان المتعدي بمعنى بأن اللازم وقد علمتم أنه عليه الصلاة و السلام قد فعله بما لا مزيد عليه وإنما بقي ما عليكم وقوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم خطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ومن آمن معه ففي الآية تنويع الخطاب حيث خاطب سبحانه المقسمين على تقدير التولي ثم صرفه تعالى عنهم إلى المؤمنين الثابتين وهو كالإعتراض بناء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى من كون وأقيموا الصلاة عطفا على قوله سبحانه : وأطيعوا الله وفائدته أنه لما أفاد الكلام السابق أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخلف مضرتهم أكد بأنه عليه الصلاة و السلام هو الغالب ومن معه فأنى للخوف مجال وإن شئت فاجعله استئنافا جيء به لتأكيد

الصفحة 201