كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

الآية وكأن ضحك ابن مسعود كان استغرابا لذلك وسكوته بعد الإستدلال ظاهر في ارتضائه لما فهمه معدن سر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الآية و من تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية وجملة من كفر الخ قيل معطوفة على جملة وعد الله الخ أو على جملة محذوفة كأنه قيل : من آمن فهم الفائزون ومن كفر الخ وقيل : إن هذه الجملة وكذا جملة يعبدونني استئناف بياني أما ذلم في الأولى فالسؤال ناشيء من قوله تعالى : وعد الله الخ فكأنه قيل : فما ينبغي للمؤمنين بعد هذا الوعد الكريم أو بعد حصوله فقيل : يعبدونني لا يشركون بي شيئا وأما في الثانية فالسؤال ناشيء من الجواب المذكور فكأنه قيل فإن لم يفعلوا فماذا فقيل : ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وجزاؤهم معلوم وهو كما ترى
هذا واستدل كثير بهذه الآية على صحة خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم لأن الله تعالى وعد فيها من في حضرة الرسالة من المؤمنين بالإستخلاف وتمكين الدين والأمن العظيم من الأعداء ولا بد من وقوع ما وعد به ضرورة امتناع الخلف في وعده تعالى ولم يقع المجموع إلا في عهدهم فكان كل منهم خليفة حقا باستخلاف الله تعالى إياه حسبما وعد جل وعلا لا يلزم عموم الإستخلاف لجميع الحاضرين المخاطبين بل وقوعه فيهم كبنو فلان قتلوا فلانا فلا ينافي ذلك عموم الخطاب الجميع وكون من بيانية وكذا لا ينافيه ما وقع في خلافة عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما من الفتن لأن المراد من الأمن الأمن من أعداء الدين وهم الكفار كما تقدم
وأقامها بعض أهل السنة دليلا على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه لأنها مسلمة عند الشيعة والأدلة كثيرة عند الطائفتين على من ينكرها من النواصب عليهم من الله تعالى ما يستحقون فقال : إن الله تعالى وعد فيها جمعا من المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت نزولها بما وعد من الإستخلاف وما معه ووعده سبحانه الحق ولم يقع إلا في عهد الثلاثة والإمام المهدي لم يكن موجودا حين النزول قطعا بالإجماع فلا يمكن حمل الآية على وعده بذلك والأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان موجودا إذ ذاك لكن لم يرج الدين المرضي كما هو حقه في زمانه رضي الله تعالى عنه بزعم الشيعة بل صار أسوأ حالا بزعمهم مما كان في عهد الكفار كما صرح بذلك المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام بل كل كتب الشيعة تصرح بأن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم ويظهرون دين المخالفين تقية ولم يكن الأمن الكامل حاصلا في زمانه رضي الله تعالى عنه فقد كان أهل الشام ومصر والمغرب ينكرون أصل إمامته ولا يقبلون أحكامه وهم كفرة بزعم الشيعة وأغلب عسكر الأمير يخافون ويحذرون غاية الحذر منهم ومع هذا الأمير فرد فلا يمكن إرادته من الذين آمنوا ليكون هو رضي الله تعالى عنه مصداق الآية كما يزعمون فإن حمل لفظ الجمع على واحد خلاف أصولهم إذ أقل الجمع عندهم ثلاثة أفرد وأما الأئمة الآخرون الذين ولدوا بعد فلان احتمال لإرادتهم من الآية إذ ليسوا بموجودين حال نزولها ولم يحص لهم التسلط في الأرض ولم يقع رواج دينهم المرتضي لهم وما كانوا آمنين بل كانوا خائفين من أعداء الدين متقين منهم كما أجمع الشيعة فلزم أن الخلفاء الثلثة هم مصداق الآية فتكون خلافتهم حقة وهو المطلوب

الصفحة 205