كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

وزعم الطبرسي أن الخطاب للنبي وأهل بيته صلى الله عليه و سلم فهم الموعودن بالإستخلاف وما معه ويكفي في ذلك تحقق الموعود في زمن المهدي رضي الله تعالى عنه ولا ينافي ذلك عدم وجوده عند نزول الآية لأن الخطاب الشفاهي لا يخص الموجودي وكذا لا ينافي عدم حصوله للكل لأن الكلام نظير بنو فلان قتلوا فلانا واستدل على ذلك بما روي العياشي بإسناده عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ الآية فقال : هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا
وزعم أنه روي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما وهذا على ما فيه مما يأباه السياق والأخبار الصحيحة الواردة في سبب النزول وأخبار الشيعة لا يخفى حالها لا سيما على من وقف على التحفة الأثني عشرية نعم ورد من طريقنا ما يستأنس به لهم في هذا المقام لكنه لا يعول عليه أيضا مثل أخبارهم وهو ما أخرجه عبد بن حميد عن عطية أنه عليه الصلاة و السلام قرأ الآية فقال : أهل البيت ههنا وأشار بيده إلى القبلة وزعم بعضهم نحو ما سمعت عن الطبرسي إلا أنه قال : هي في حق جميع أهل البيت علي كرم الله تعالى وجهه وسائر الأئمة الأثني عشر وتحقق ذلك فيهم زمن الرجعة حين يقوم القائم رضي الله تعالى عنه وزعم أنها أحد أدلة الرجعة وهذا قد زاد في الطنبور نغمة وقال الملا عبد الله المشهدي في كتابه إظهار الحق لإبطال الإستدلال بها على صحة خلافة الخلفاء الثلاثة : يحتمل أن يكون الإستخلاف بالمعنى اللغوي وهو الإتيان بواحد خلف آخر أي بعده كما في قوله تعالى في حق بني إسرائيل عسى ربكم أن يعلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فقصارى ما يثبت أنهم خلفاء بالمشي اللغوي وليس النزاع فيه بل هو في المعنى الإصطلاحي وهو معنى مستحدث بعد رحلة النبي صلى الله عليه و سلم أه
وأجيب بأنه لو تم هذا لا يتم لهم الإستدلال على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه بالمعنى المصطلح بحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى المعتضد بما حكاه سبحانه عن موسى عليه السلام من قوله لهارون أخلفني في قومي وبما يرونه من قوله صلى الله عليه و سلم : يا علي أنت خليفتي من بعدي وكذا لا يتم لهم الإستدلال على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه بما تضمن لفظ الإمام لأنه لم يستعمل في الكتاب المجيد بالمعنى المصطلح أصلا وإنما استعمل بمعنى النبي والمرشد والهادي والمقتدي به في أمر خيرا كان أو شرا ومتى ادعى فهم المعنى المصطلح من ذلك بطريق اللزوم فليدع فهم المعنى المصطلح من الخليفة كذلك وربما يدعى أن فهمه منه أقوى لأنه مقرون حيث وقع في الكتاب العزيز بلفظ في الأرض الدال على التصرف العام الذي هو شأن الخليفة بذلك المعنى على أن مبنى الإستدلال على خلافة الثلاثة بهذه الآية ليس مجرد لفظ الإستخلاف حتى يتم غرض المناقش فيه بل ذلك مع ملاحظة إسناده إلى الله تعالى وإذا أسند الإيتخلاف اللغوي إلى الله عز و جل فقد صار استخلافا شرعيا وقد يستفتي في هذه المسئلة من علماء الشيعة فيقال : إن إتيان بني إسرائيل بمكان آل فرعون والعمالقة وجعلهم متصرفين في أرض مصر والشام هل كان حقا أولا ولا أظنهم يقولون إلا أنه حق وحينئذ يلزمهم أن يقولوا به في الآية لعدم الفرق وبذلك يتم الغرض هذا حاصل ما قيل في هذا المقام

الصفحة 206