كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

والذي أميل إليه أن الآية ظاهرة في نزاهة الخلفاء الثلاثة رضي الله تعالى عنهم عما رماهم للشيعة به من الظلم والجود والتصرف في الأرض بغير الحق لظهور تمكين الدين والأمن من أعدائه في زمانهم ولا يكاد يحسن الإمتنان بتصرف باطل عقباه العذاب الشديد وكذا ى يكاد يحسن الإمتنان بما تضمنته الآية على أهل عصرهم مع كونهم الرؤساء الذين بيدهم الحل والعقد لو كانوا وحاشاهم كما يزعم الشيعة فيهم ومتى ثبت بذلك نزاهتهم عما يقولون اكتفينا به وهذا لا يتوقف إلا على اتصافهم بالإيمان والعمل الصالح حال نزول الآية وإنكار الشيعة له إنكار للضروريات وكون المراد بالآية عليا كرم الله تعالى وجهه أو المهدي رضي الله تعالى عنه أو أهل البيت مطلقا مما لا يقوله منصف
وفي كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه ما يقتضي بسوقه خلاف ما عليه الشيعة ففي نهج البلاغة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما استشار الأمير كرم الله تعالى وجهه لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمعوا للحرب قال له : إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلة وهو دين الله تعالى الذي أظهره وجنده الذي أعزه وأيده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيث طلع ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عز اسمه وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ومكان القيم في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق ورب متفرق لم يجتمع والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالإجتماع فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض تنقضت عليك العرب من أظرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك وكان قد آن للأعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطعمهم فيك فأما ما ذكرت من عددهم فأنا لم نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما نقاتل بالنصر والمعونة أه فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول جوز أن يكون عطفا على أطيعوا الله داخلا معه في حيز القول والفاصل ليس بأجنبي من كل وجه فإنه وعد على المأمور به وبعضه من تتمته وفي الكشاف ليس ببعيد أن يقطع بين المعطوف عليه فاصل وإن طال لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه والفاصل يؤكد المغايرة ويرشحها لأن المجاورة مظنة الإتصال والإتحاد في تكرير الأمر بإطاعة الرسول عليه الصلاة و السلام للتأكيد وأكيد دون الأمر بطاعة الله تعالى لما أن في النفوس لا سيما نفوس العرب من صعوبة الإنقياد للبشر ما ليس فيها صعوبة الإنقياد لله تعالى ولتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه وهي الجمل الواقعة في حيز القول بقوله تعالى لعلكم ترحمون
56
- كما علق الإهتداء بالإطاعة في قوله تعالى وإن تطيعوه تهتدوا والإنصاف إن هذا العطف بعيد بل قال بعضهم : إنه مما لا يليق بجزالة النظم الكريم
وجوز أن يكون عطفا على يعبدونني وفيه تخصيص بعد التعميم وكان الظاهر أن يقال يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الرسول لعلهم يرحمون لكن عدل عن ذلك إلى ما ذكر التفاتا إلى الخطاب لمزيد الإعتناء وحسنه هنا الخطاب في منكم وتعقب بأنه مما لا وجه له لأنه بعد تسليم الإلتفات وجوزا عطف الإنشاء على الأخبار لا يناسب ذلك وكون الجملة السابقة حالا أو

الصفحة 207