كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

استئنافا بيانيا والذي اختاره كونه عطفا على مقدر ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام فإنه سبحانه لما ذكر ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون فهم النهي عن الكفر فكأنه قيل : فلا تكفروا وأقيموا الصلاة الخ
وجوز أن يكون انفهام المقدر من مجموع ما تقدم من قوله تعالى قل أطيعوا الله الخ حيث أنه يوجب الأمر بالإيمان والعمل الصالح فكأنه قيل فآمنوا واعملوا الصالحات وأقيموا الخ وجوز في أطيعوا أن يكون أمرا بإطاعته صلى الله عليه و سلم بجميع الأحكام الشرعية المنتظمو للآداب المرضية وأن يكون أمرا بالإطاعة فيما عدا الأمرين السابقين فيكون ذكره لتكميلهما كأنه قيل : وأطيعوا الرسول في سائر ما يأمركم به وقوله تعالى لعلكم الخ متعلق بالأوامر الثلاثة وجعل على الأول متعلقا بالأحير وقوله تعالى لا تحسبن الذين كفروا الخ بيان لمآل الكفرة في الدنيا والآخرة بعد بيان تناهيهم في الفسق وفوز أضدادهم بالرحمة المطلقة المستتبعة لسعادة الدارين وفي ذلك أيضا رفع استبعاد تحقق الوعد السابق مع كثرة عدد الكفرة وعددهم والخطاب لكل من يتأتى منه الحسبان نظير ما في قوله تعالى ولو ترى إذ المجرمون ناسكوا رؤسهم
وجوز أن يكون للرسول صلى الله عليه و سلم على سبيل التعريض بمن صدر منه ذلك كقوله :
إياك أعني فاسمعي يا جاره
أو الإشارة إلى أن الحسبان المذكور بلغ في القبح المحذورية إلى حيث ينهى من يمتنع صدوره عنه فكيف بمن يمكن ذلك منه كما قيل في قوله تعالى فلا تكونن من المشركين فقول أبي حيان : إن جعل الخطاب للرسول صلى الله عليه و سلم ليس بجيد لأن مثل هذا الحسبان لا يتصور وقوعه منه عليه الصلاة و السلام ليس بجيد لما فيه من الغفلة عما ذكر ومحل الموصول نصب على أنه مفعول أول للحسبان وقوله تعالى معجزين ثانيهما وقوله تعالى في الأرض ظرف لمعجزين لكن لا لإفادة كون الإعجاز المقصود بالنفي فيها لا في غيرها فإن ذلك غني عن البيان بل لإفادة شمول عدم الإعجاز لجميع أجزائها أي لا تحسبنهم معجزين الله تعالى عن إدراكهم وإهلاكهم في قطر من أقطار الأرض بما رحبت وإن هربوا منها كل مهرب وقرأ حمزة وابن عامر يحسبن بالياء آخر الحروف على أن الفاعل كل أحد كأنه قيل لا يحسبن حاسب الكافرين معجزين له عز و جل في الأرض أو ضميره صلى الله عليه و سلم لتقدم ذكره عليه الصلاة و السلام في قوله تعالى وأطيعوا الرسول وإليه ذهب أبو علي
وزعم أبي حيان أنه ليس بجيد لما تقدم ليس بجيد لما تقدم أو ضمير الكافر أي لا يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين ونقل ذلك عن علي بن سليمان أو الموصول والمفعول الأول محذوف كأنه قيل : لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين في الأرض وذكر أن الأصل على هذا لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشيء الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث وتعقبه في البحر بأن هذا الضمير ليس من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يجوز كون الأصل لا يحسبهم الذين الخ كما لا يجوز ظنه زيد قائما وقال الكوفيون معجزين المفعول الأول و 0 في الأرض المفعول الثاني والمعنى لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله تعالى في الأرض حتى يطمعوا في مثل ذلك قال الزمخشري : وهذا معنى قوي جيد وتعقب بأنه بمعزل عن المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أن مصب الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض ورد بأنه وإن كان

الصفحة 208