كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

مصب الفائدة جعل مفروغا منه وإنما المطلوب بيان المحل أي لا يعجزوه سبحانه في الأرض والإنصاف أن ما ذكر خلاف الظاهر والظاهر إنما هو تعلق في الأرض بمعجزين وأيا ما كان فالقراءة المذكورة صحيحة وإن اختلفت مراتب تخريجاتها قوة وضعفا ومن ذلك يعلم ما في قول النحاس ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطيء قراءة حمزة فمنهم من يقول : هي لحن لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن ومنهم من قال هذا أبو حاتم انتهى من قلة الوقوف ومزيد الهذيان والجسارة على الطعن في متواتر من القرآن ولعمري لو كانت القراءة بالرأي لكان اللائق بمن خفي عليه وجه قراءة حمزة أن لا يتكلم بمثل ذلك الكلام ويتهم نفسه ويحجم عن الطعن في ذلك الإمام وقوله تعالى ومأواهم النار عطف على جملة النهي بتأويلها بجملة خبرية لأن المقصود بالنهي عن الحسبان تحقيق نفي الحسبان كأنه قيل الذين كفروا معجزين ومأواهم النار
وجوز أن يكون عطفا على مقدر لأن الأول وعيد الدنيا كأنه قيل فهم مقهورون في الدنيا بالإستئصال ومخزون في الآخرة بعذاب النار وعن صاحب النظم تقديره بل هم مقدور عليهم ومحاسبون ومأواهم النار
قال في الكشف : وجعله حالا على معنى لا ينبغي الحسبان لمن مأواه النار كأنه قيل أنى للكافر هذا الحسبان وقد أعد له النار والعدول إلى ومأواهم النار للمبالغة في التحقق وأن ذلك معلوم لهم لا ريب وجه حسن خال عن كلف الكلفة ألم به بعض الأئمة انتهى ولا يخفى أن في ظاهره ميلا إلى بعض تخريجات قراءة يحسبن بياء الغيبة
وتعقب في البحر تأويل جملة النهي لتصحيح العطف عليها بقوله : الصحيح أنه يجوز عطف الجمل على اختلافها بعضا على بعض وإن لم تتحد في النوعية وهو مذهب سيبويه والمأوى اسم مكان وجوز فيه المصدرية والأول أظهر وقوله تعالى ولبئس المصير
57
- جواب لقسم مقدر والمخصوص بالذم محذوف أي وبالله لبئس المصير هي أي النار والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله وفي إيراد النار بعنوان كونها مأوى ومصيرا لهم أثر نفي فوتهم بالهرب في الأرض كل مهرب من الجزالة ما لا غاية وراءه فلله تعالى در شأن التنزيل
يا أيها الذين آمنوا الخ رجوع عند الأكثرين إلى بيان تتمة الأحكام السابقة بعد تمهيد ما يوجب الإمتثال بالأوامر والنواهي الواردة فيها وفي الأحكام اللاحقة من التمثيلات والترغيب والترهيب والوعد والوعيد وفي التحقيق ويحتمل أن يقال : أنه مما يطاع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم فيه وتخصيصه بالذكر لأن دخوله في الطاعة باعتبار أنه من الآداب أبعد من غيره والخطاب إما للرجال خاصة والنساء داخلات في الحكم بدلالة النص أو للفريقين تغليبا واعترض الأول بأن الآية نزلت بسبب النساء فقد روي أن أسماء بنت أبي مرئد دخل عليها غلام كبير لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت وقد ذكر في الإتقان أن دخول سبب النزول في الحكم قطعي
وأجيب بأنه ما المانع من أن يعلم الحكم في السبب بطريق الدلالة والقياس الجلي ويكون ذلك في حكم الدخول ونقل عن السبكي أنه ظني فيجوز إخراجه وتمام الكلام في ذلك في كتب الأصول ثم ما ذكر في سبب النزول ليس مجمعا عليه فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث وقت الظهيرة إلى عمر رضي الله تعالى

الصفحة 209