كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

والاسم الحلم كعنق والحلم بالكسر الأناة والعقل وجمعه أحلام وحلوم أه والظاهر أن ما نحن فيه بمعنى الجماع في النوم وهو الإحتلام المعروف ووجه الكناية السابقة عليه ظاهر
وقال الراغب : الحلم زمان البلوغ وسمي الحلم لكونه جديرا صاحبه بالحلم أي الأناة وضبط النفس عن هيجات الغضب وفي النفس منه شيء ثلاث مرات أي ثلاث أوقات في اليوم والليلة والتعبير عنها بالمرات للإيذان بأن مدار طلب الإستئذان مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا أنفسها فنصب ثلاث مرات على الظرفية للإستئذان وهو الذي ذهب إليه الجمهور ويدل على ما ذكر قوله تعالى : من قبل صلاة الفجر الخ فإن الظاهر أنه في محل النصب أو الجر كما قيل أنه بدل من ثلاث أو من مرات بدل مفصل من مجمل
وجوز أن يكون في محل الرفع علىأنه خبر لمبتدأ محذوف أي أحدها من قبل الخ وهو أيضا يدل على ما ذكرنا واختار في البحر أن المعنى ثلاث استئذانات كما هو الظاهر فإنك إذا قلت : ضربت ثلاث مرات لا يفهم منه إلا ثلاث ضربات ويؤيده قوله عليه الصلاة و السلام الإستئذان ثلاث وعليه يكون ثلاث مرات مفعولا مطلقا للإستئذان و من قبل الخ ظرف له وشرع الإستئذان من قبل صلاة الفجر لظهور أنه وقت القيام عن المضاجع وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة وكل ذلك مظنة انكشاف العورة وأيضا كثيرا ما يجنب الشخص ليلا فيغتسل في ذلك الوقت ويستحي من الإطلاع عليه في تلك الحالة ولو مستور العورة وحين تضعون ثيابكم أي وحين تخلعون ثيابكم التي تلبسونها في النهار وتحطونها عنكم من الظهيرة بيان للحين والظهيرة كما قال الراغب وقت الظهر وفي القاموس هي حد انتصاف النهار أو إنما ذلك في القيظ
وجوز أن تكون من أجلية والكلام على حذف مضاف أي وحين تضعون ثيابكم من أجل الظهيرة وفسر بعضهم الظهيرة بشدة الحر عند انتصاف النهار فلا حاجة إلى الحذف و حين عطف على من قبل وهو ظاهر على تقدير كونه في محل نصب وأما على التقديرين الآخرين فيلتزم القول ببناء حين على الفتح وإن أضيف إلى مضارع كما قيل في قوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم على قراءة فتح ميم يوم والتصريح بمدار الأمر أعني وضع الثياب في هذا الحين دون ما قبل وما بعد لما أن التجرد عن الثياب فيه لأجل القيلولة لقلة زمانها كما ينبيء عنه إيراد الحين مضافا إلى فعل حادث متقض ووقوعها في النهار الذي هو مئنة لكثرة الورود والصدور ومظنة لظهور الأحوال وبروز الأمور ليس من التحقق والإطراد بمنزلة ما في الوقتين المذكورين فإن تحقق المدار فيهما أمر معروف لا يحتاج إلى التصريح به
ومن بعد صلاة العشاء ضرورة أنه وقت التجرد عن لباس اليقظة والإلتحاف بثياب النوم وكثيرا ما يتعاطى فيه مقدمات الجماع وإن كان الأفضل تأخيره لمن لا يغتسل على الفور إلى آخر الليل ويعلم مما ذكر في حيز بيان حكمة مشروعية الإستئذان في الوقت الأول والوقت الأخير أن المراد بالقبلية والبعدية المذكورتين ليبس مطلقهما المتحقق في الوقت الممتد المتخلل بين صلاة الفجر وصلاة العشاء بل المراد بهما طرفا ذلك الوقت الممتد المتصلان اتصالا عاديا بالصلاتين المذكورتين وعدم التعرض للأمر بالإستئذان في الباقي

الصفحة 212