كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

ويرد على القول بأن ثبوت ذلك لمن ذكر بواسطة المفهوم بحث لا يخفى والتزم في الجوام كون المراد بالجناح لإثم العرفي الذي مرجعه ترك الأولى وإلا خلق من حيث المروءة والأدب وجواز ثبوت ذلك للمكلف وغير المكلف مما لا كلام فيه فكأن المعنى ليس عليكم أيها المؤمنون جناح في دخولهم عليكم بعدهن لترككم تعليمهم وتمكينكم إياهم منه المفضي إلى الوقوف على ما تأتي المروءة والغيرة الوقوف عليه ولا عليهم جناح في ذلك لإخلالهم بالأدب المفضي إلى الوقوف على ما تكره ذوو الطباع السليمة الوقوف عليه وينفعلون منه ولا يأبى ذلك تقدم الأمر السابق ولا ما في الإرشاد من بيان نكتة إيراد العورات الثلاث بعنوان البعدية بما سمعت فتدبر فإنه دقيق
وذهب بعضهم إلى قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها منسوخ بهذه الآية حيث دلت على جواز الدخول بدون استئذان بعد الأوقات الثلاث ودل ذلك على خلافه ومن لم يذهب إليه قال : إنها في الصبيان وومماليك المدخول عليه وآية الإستئذان في الأحرار البالغين ومماليك الغير في حكمهم فلا منافاة ليلتزم النسخ ثم اعلم أن نفي الجناح بعدهن على من ذكر ليس على عمومه فإنه متى تحقق أو ظن كون أهل البيت على حال يكرهون اطلاع المماليك والمراهقين من الأحرار عليها كانكشاف عورة أحدهم ومعاشرته لزوجته أو أمته إلى غير ذلك لا ينبغي الدخول عليهم بدون استئذان سواء كان ذلك في إحدى العورات الثلاث أو في غيرها والأمر بالإستئذان فيها ونفي الجناح بعدها بناء على العادة الغالبة من كون أهل البيت في الأوقات الثلاث المذكورة على حال يقتضي الإستئذان وكونهم على حال لا يقتضيه في غيرها
هذا وفي الآية توجيه آخر ذكره أبو حيان وظاهر صنيعه اختياه وعليه اقتصر أبو البقاء وهو أن التقدير ليس عليكم ولا عليهم جناح بعد استئذانهم فيهن فحذف الفاعل وحرف الجر فبقي استئذانهن ثم حذف المصدر فصار بعدهن وعليه تقل مؤمنة الكلام في الآية إلا أنه خلاف الظاهر جدا والجمهور على ما سمعت أولا في معناها والظاهر أن الجملة على القرائتين السابقتين في ثلاث مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها وفي الكشاف أنها إذا رفع ثلاث كانت في حل رفع على الوصف والمعنى هن ثلاث مخصوصة بالإستئذان وإذا نصب لم يكن لها محل وكانت كلاما مقررا للإستئذان في تلك الأحوال خاصة وقال في ذلك صاحب التقرير : إن رفع الحرج وراء الأوقات الثلاثة مقصود في نفسه فإذا وصف به ثلاث عورات نصبا وهو بدل من ثلاث مرات كان التقدير ليستأذنكم هؤلاء في ثلاث عورات مخصوصة بالإستئذان ويدفعه وجوه مستفادة من علم المعاني أحدهما اشتراط تقدم علم السامع بالوصف وهو منتف إذا لم يعلم إلا من هذا والثاني جعل الحكم المقصود وصفا للظرف فيصير غير مقصود والثالث أن الأمر بالإستئذان في المرات الثلاث حاصل وصفت بأن لا حرج وراءها أو لم توصف فيضيع الوصف وأما إذا وصف المرفوع فيزول الدوافع لأنه ابتداء تعليم أي هن ثلاث مخصوصة بالإستئذان وصفة للخبر المقصود ولم يتقيد أمر الإستئذان به فليتأمل فإنه دقيق جليل انتهى وتعقب بأن الوجهين الأخيرين ساقطان لا طائل تحتهما والأول هو الوجه فإن قيل : هو مشترك الإلزام قيل : قد تقدم في قوله تعالى ليستأذنكم ما يرشد إلى العلم بذلك وليست الجملة الأخيرة من أجزائه كما هي كذلك على فرض جعلها صفة للبدل ولا يحتاج مع هذا إلى حديث أن رفع الحرج وراء الأوقات الثلاثة مقصودة في نفسه بل قيل هو في نفسه ليس بشيء فقد قال الطيبي : إن المقصود الأولى الإستئذان في الأوقات المخصوصة ورفع الحرج في غيرها

الصفحة 214