كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

تابع له لقول المحدث رضي الله تعالى عنه لوددت أن الله عز و جل نهى آباءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد نزلت الآية وفي الكشف أنه جيء أي بالكلام الدال على رفع الحرج أعني ليس عليكم الخ على رفع ثلاث مؤكدا للسالف على طريق الطرد والعكس وكذلك إذا نصب وجعل استئنافا وأما إذا جعل وصفا فيفوت هذا المعنى وهذا أيضا من الدوافع انتهى فتأمل ولا تغفل
وقوله تعالى طوافون عليكم خبر مبتدأ محذوف أي هم طوافون والجملة استئناف ببيان العذر المرخص في ترك الإستئذان وهو المخالطة الضرورية وكثرة المداخلة وفيه دليل على تعليل الأحكام الشرعية وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاث وغيرها بأنها عورات وقوله عز و جل بعضكم على بعض جوز أن يكون مبتدأ وخبرا ومتعلق الجار كون خاص حذف لدلالة ما قبله عليه أي بعضكم طائف على بعض وجوز أن يكون معمولا لفعل محذوف أي يطوف بعضكم على بعض وقال ابن عطية بعضكم بدل من طوافون وتعقبه في البحر بأنه إن أراد أنه بدل من طوافون نفسه فلا يجوز لأنه يصير التقدير هم بعضكم على بعض وهو معنى لا يصح وإن أراد أنه بدل من الضمير فيه فلا يصح أيضا إن قدر الضمير غيبة لتقديرهم لأنه يصير التقدير هم يطوف بعضكم على بعض وإن جعل التقدير أنتم يطوف عليكم بعضكم على بعض فيدفعه أن عليكم يدل على أنهم هم المطوف عليهم وأنتم طوافون يدل على أنهم طائفون فيتعارضان وقيل : يقدر أنتم طوافون ويراد بأنتم المخاطبون والغيب من المماليك والصبيان وهو كما ترى وجوز أبو البقاء كون الجملة بدلا من التي قبلها وكونها مبنية مؤكدة ولا يخفى عليكم ما تضمنته من جبر قلوب المماليك بجعلهم بعضا من المخاطبين وبذلك يقوي أمر العلية وقرأ ابن أبي عبلة طوافين بالنصب على الحال من ضمير عليهم كذلك إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعد على ما مر تفصيله في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا وفي غيره أيضا أي مثل ذلك التبيين يبين الله لكم الآيات الدالة على ما فيه نفعكم وصلاحكم أي ينزلها مبينة واضحة الدلالة لا أنه سبحانه يبينها بعد أن لم تكن كذلك وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر غير مرة وقيل : يبين علل الأحكام وتعقب بأنه ليس بواضح مع أنه مؤد إلى تخصيص الآيات بما ذكر ههنا
والله عليم مبالغ في العلم بجميع المعلومات فيعلم أحوالكم حكيم
58
- في جميع أفاعيله فيشرع لكم ما فيه صلاحكم معاشا ومعادا
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم لما بين سبحانه آنفا حكم الأطفال من أنهم لا يحتاجون إلى الإستئذان في غير الأوقات الثلاثة عقب جل وعلا ببيان حالهم إذا بلغوا دفعا لما عسى أن يتوهم أنهم وإن كانوا أجانب ليسوا كسائر الأجانب بسبب اعتيادهم الدخول فاللام في الأطفال للعهد إشارة إلى الذين لم يبلغوا الحلم المجعولين قسما للمماليك أي إذا بلغ الأطفال الأحرار الأجانب فليستأذنوا إذا أرادوا الدخول عليكم كما استأذن الذين من قبلهم أي الذين ذكروا من قبلهم في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها وجوز أن تكون القبلية باعتبار الوصف لا باعتبار الذكر في النظم الجليل بقرينة ذكر البلوغ وحكم الطفولية أي الذين بلغوا من قبلهم وأخرج هذا ابن أبي حاتم عن مقاتل وزعم بعضهم أنه أظهر

الصفحة 215