كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

وتعقب بان المراد بالتشبيه بيان كيفية استئذان هؤلاء وزيادة إيضاحه ولا يتسنى ذلك إلا بتشبيهه باستئذان المعهودين عند السامع ولا ريب في أن بلوغ هؤلاء مما لا يخطر ببال أحد وإن كان الأمر كذلك في الواقع وإنما المعهود المعروف ذكرهم قبل ذكرهم فالمعنى فليستأذنوا استئذانا كائنا مثل استئذان المذكورين قبلهم بأن يستأذنوا في جميع الأوقات ويرجعوا إن قيل لهم ارجعوا حسبما فصل فيما سلف وكون المراد بالأطفال الأطفال الأحرار الأجانب قد ذهب غير واحد وقال بعض الأجلة : المراد بهم ما يهم الأحرار والمماليك فيجب الإستئذان على من بلغ من الفريقين وأوجب هذا استئذان العبد البالغ على سيدته لهذه الآية وقال في البحر منكم أي من أولادكم وأقربائكم
وأخرج ابن أبي حاتم نحو هذا التفسير عن سعيد بن جبير وأخرج عن سعيد بن المسيب أنه قال : يستأذن الرجل على أمه فإنما نزلت وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم في ذلك وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عطاء أنه سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أأستأذن على أختي قال : نعم قلت : إنها في حجري وأنا أنفق عليها وإنها معي في البيت أأستأذن عليها قال : نعم إن الله تعالى يقول ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم الآية فلم يأمر هؤلاء بالإستئذان إلا في العورات الثلاث وقال تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم فالذن واجب على خلق الله تعالى أجمعين وروي عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : آية لايؤمن بها أكثر الناس آية الأذن وإني لآمر جارتي يعني زوجته أن تستأذن علي وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم ونقل عن بعضهم أن وجوب الإستئذان المستفاد من الأمر الدال عليه في الآية منسوخ وأنكر ذلك سعيد بن جبير روي عنه يقولون : هي منسوخة لا والله ما هي منسوخة ولكن الناس تهاونوا بها وعن الشعبي ليست منسوخة فقيل له : إن الناس لا يعلمون بها فقال : الله تعالى المستعان وقيل : ذلك مخصوص بعدم الرضا وعدم باب يغلق كما كان في العصر الأول كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم
59
- الكلام فيه كالذي سبق والتكرير للتأكيد والمبالغة في طلب الإستئذان وإضافة الآيات إلى ضمير الجلالة لتشريفها وهو مما يقوي أمر التأكيد والمبالغة والقواعد من النساء أي العجائز وهو جمع قاعد كحائض وطامث فلا يؤنث لاختصاصه ولذا جمع على فواعل لأن التاء فيه كالمذكورة أو هو شاذ قال ابن السكيت : امرأة قاعد قعدت عن الحيض وقال ابن قتيبة : سميت العجائز قواعد لأنهن يكثرن القعود لكبر سنهن وقال ابن ربيعة : لقعودهن عن الإستمتاع حيث أيسن ولم يبق لهن طمع في الأزواج فقوله تعالى : اللاتي لا يرجون نكاحا أي لا يطمعن فيه لكبرهن صفة كاشفة فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن أي الثياب الظاهرة التي لا يفضي وضعها لكشف العورة كالجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار
وأخرج ابن المنذر عن ميمون بن مهران أنه قال : في مصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود فليس عليهن جناح أن يضعن جلابيبهن وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يقرآن كذلك ولعله لذلك اقتصر بعض في تفسير الثياب على الجلباب والجملة خبر القواعد والفاء إما لأن اللام في القواعد موصولة بمعنى اللاتي وإما لأنها موصوفة بالموصول وقوله

الصفحة 216