كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

تعالى : غير متبرجات بزينة حال وأصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفى من قولهم : سفينة بارج لا غطاء عليها والرج سعة العين بحيث يرى بياضها محيطا بسوادها كله لا يغيب منه شيء وقيل : أصله الظهور من البرج أي القصر ثم خص بأن تتكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها وليست الزينة مأخوذة في مفهومه حتى يقال : إن ذكر الزينه من باب التجريد والظاهر أن الباء للتعدية وقيل زائدة في المفعول لأنهم يفسرون التبرج بمتعد ففي القاموس تبرجت أظهرت زينتها للرجال وفيه نظر والمراد بالزينة الزينة الخفية لسبق العلم باختصاص الحكم بها ولما في لفظ التبرج من الإشعار والتنكير لإفادة الشياع وأن زينة ما وإن دقت داخلة في الحكم أي غير مظهرات زينة مما أمر بإخفائه في قوله تعالى ولا يبدين زينتهن
وأن يستعففن بترك الوضع والتستر كالشواب خير لهن من الوضع لبعده من التهمة فلكل ساقطة لاقطة وذكر ابن المنير للآية معنى استحسنه الطيبي فقال : يظهر لي والله تعالى أعلم أن قوله تعالى : غير متبرجات بزينة من باب
على لا حب لا يهتدي بمناره
أي لا منار فيه فيهتدي به وكذلك المراد والقواعد من النساء لا زينة لهن فيتبرجن بها لأن الكلام فيمن هن بهذه المثابة وكأن الغرض من ذلك أن هؤلاء استفافهن عن وضع الثياب خير لهن فما ظنك بذوات الزينة من الشواب وأبلغ ما في ذلك أنه جعل عدم وضع الثياب في حق القواعد من الإستعفاف إيذانا بأن وضع الثياب لا مدخل له في العفة هذا في القواعد فكيف بالكواعب والله سميع مبالغ في سمع جميع ما يسمع فيسمع بما يجري بينهن وبين الرجال من المقاولة عليم
60
- فيعلم سبحانه مقاصدهن وفيه من الترهيب ما لا يخفى
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج في كتاب الزهراوي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هؤلاء الطوائف كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذارا من استقذارهم إياهم وخوفا من تأذيهم بأفعالهم وأوضاعهم فنزلت وقيل : كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو إلى بعض من سماهم الله تعالى في الآية الكريمة فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون : ذهب بنا إلى بيت غيره ولعل أهله كارهون لذلك وكذا كانوا يتحرجون من الأكل من أموال الذين كانوا إذا خرجوا إلى الغزو وخلفوا هؤلاء الضعفاء في بيوتهم ودفعوا إليهم مفاتيحها وأذنوا لهم أن ياكلوا مما فيها مخافة أن لا يكون أذنهم عن طيب نفس منهم
وكان غير هؤلاء أيضا يتحرجون من الأكل في بيوت غيرهم فعن عكرمة كانت الأنصار في أنفسها قزازة فكانت لا تأكل من البيوت الذي ذكر الله تعالى وقال السدي : كان الرجل يدخل بيت أبيه أو بيت أخيه أو أخته فتتحفه المرأة بشيء من الطعام فيتحرج لأجل أنه ليس ثم رب البيت والحرج لغة كما قال الزجاج الضيق من الحرجة وهو الشجر الملتف بعضه ببعض لضيق المسالك فيه وقال الراغب : هو في الأصل مجتمع الشيء ثم أطلق على الضيق وعلى الإثم والمعنى على الرواية الأولى ليس على هؤلاء حرج في أكلهم مع الأصحاء ويقدر على سائر الروايات ما يناسب ذلك مما لا يخفى و على على معناها في جميع

الصفحة 217