كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

التاء جمع مفتاح وقرأ قتادة وهارون عن أبي عمرو مفتاحه بالإفراد وهو آلة الفتح وكذا المفتح كما في القاموس وقال الراغب : المفتح والمفتاح ما يفتح به وجمعه مفاتيح ومفاتح وفي بعض الكتب أن جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أو صديقكم أي أو بيوت صديقكم وهو من يصدق في مودتك وتصدق في مودته يقع على الواحد والجمع والمراد به هنا الجمع وقيل : المفرد وسر التعبير به دون أصدقائكم الإشارة إلى قلة الأصدقاء حتى قيل : صاد الصديق وكاف الكيمياء معا لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا ونقل عن هشام بن عبد الملك أنه قال : نلت ما نلت حتى الخلافة وأعوزني صديق لا أحتشم منه وقيل : إنه إشارة إلى أن شأن الصداقة رفع الأثنينية ورفع الحرج في الأكل من بيت الصديق لأنه أرضى بالتبسط وأسر به من كثير من ذوي القرابة روي عن ابن عباي رضي الله تعالى عنهما الصديق أكبر من الوالدين إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات فقالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم
وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه من عظم حرمة الصديق أن جعله الله تعالى من الأنس والثقة ووالإنبساط ورفع الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ وقيل لأفلاطون من أحب إليك أخوك أم صديقك فقال : لا أحب أخي إلا إذا كان صديقي وقد كان السلف ينبسطون بأكل أصدقائهم من بيوتهم ولو كانوا غيبا
ويحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطايب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون فتهلك أساوير وجهه سرورا وضحك وقال : وجدناهم هكذا وجدناهم يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك وهذا شيء قد كان
إذا الناس ناس والزمان زمان
وأما اليوم فقد طوى فيما أعلم بساطه واضمحل والأمر لله تعالى فسطاطه وعفت آثاره وأفلت أقماره وصار الصديق اسما للعدو الذي يخفي عداوته وينتظر لك حرب الزمان وغارته فآه ثم آه ولا حول ولا قوة إلا بالله
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد ثم إن نفي الحرج في الأكل المذكور مشروط بما إذا علم الآكل رضا صاحب المال بإذن صريح أو قرينة ولا يرد أنه إذا وجد الرضا جاز الأكل من مال الأجنبي والعدو أيضا فلا يكون للتخصيص وجه لأن تخصيص هؤلاء لاعتياد التبسط بينهم فلا مفهوم له وقال أبو مسلم : هذا في الأقارب الكفرة أباح سبحانه في هذه الآية ما حظره في قوله سبحانه : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله وليس بشيء وقيل : كان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ بقوله صلى الله عليه و سلم : لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفس منه وقوله عليه الصلاة و السلام من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه وقوله تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية وقوله عز و جل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه فإنهم منعوا من منزله صلى الله عليه و سلم إلا بالشرط المذكور وهو عليه الصلاة و السلام أكرم الناس وأقلهم حجابا فغيره صلى الله تعالى عليه وسلم يعلم بالطريق الأولى

الصفحة 220