كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

على بعض فتعرضوا لسخطه ودعائه عليكم عليه الصلاة و السلام بمخالفة أمره والرجوع عن مجلسه بغير استئذان ونحو ذلك وهو مأخوذ مما جاء في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وروي عن الشعبي وتعقبه ابن أبي عطية بأن لفظ الآية يدفع هذا المعنى وكأنه أراد أن الظاهر عليه على بعض وقيل : إنه يأباه بينكم وهو في حيز المنع وقيل : المعنى لا تجعلوا دعاءه عليه الصلاة و السلام ربه عز و جل كدعاء صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم يسأله حاجته فربماا أجابه وربما رده فإن دعاءه صلى الله تعالى عليه وسلم مستجاب لا مرد له عند الله عز و جل فتعرضوا لدعائه لكم بامتثال أمره واستئذانه عند الإنصراف عنه إذا كنتم معه على أمر جامع وتحققوا قبول استغفاره لكم ولا تتعرضوا لدعائه عليكم بضد ذلك
ولا يخفى وجه تقرير الجملة لما قبلها على هذين القولين لكن بحث في دعوى أن جميع دعائه عليه الصلاة و السلام مستجاب بأنه قد صح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سأل الله تعالى في أمته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه وهو ظاهر في أنه قد يرد بعض دعائه عليه الصلاة و السلام وتعقب بأنه كيف يرد وقد قال الله تعالى : ادعوني أستجب لكم وفي الحديث إن الله تعالى لا يرد دعاء المؤمن وإن تأخر وقد قال الإمام السهيلي في الروض : الإستجابة أقسام إما تعجيل ما سأل أو أن يدخر له خير مما طلب أو يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير وقد أعطى صلى الله تعالى عليه وسلم عوضا من أن لا يذيق بعضهم بأس بعض الشفاعة وقال أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا الزلزال والفتن كما في أبي داود فإذا كانت الفتنة سببا لصرف عذاب الآخرة عن الأمة فلا يقال : ما أجاب دعاءه صلى الله عليه و سلم لأن عدم استجابته أن لا يعطي ما سأل أولا يعوض عنه ما هو خير منه والمراد بالمنع في الحديث منع ذلك بخصوصه لا عدم استجابة الدعاء بذلك بالمعنى المذكور وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله
وقيل : المعنى لا تجعلوا نداءه عليه الصلاة و السلام وتسميته كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت به والنداء وراء الحجرات ولكن بلقبه المعظم يا نبي الله ويا رسول الله مع التواضع وخفض الصوت
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : كانوا يقولون : يا محمدا يا أبا القاسم فنهاهم الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه لا تجعلوا الآية إعظاما لنبيه صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا نبي الله يا رسول الله وروي نحو هذا عن قتادة والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وفي أحكام القرآن للسيوطي أن هذا النهي تحريم ندائه صلى الله عليه و سلم باسمه
والظاهر استمرار ذلك بعد وفاته إلى الآن وذكر الطبرسي أن من جملة المنهي عنه النداء بياابن عبد الله فإنه مما ينادى به العرب بعضهم بعضا وتعقب هذا القول بأن الآية عليه لا تلائم السباق واللحاق
وقال بعضهم : وجه الإرتباط بما قبلها عليه الإرشاد إلى أن الإستئذان ينبغي أن يكون بقولهم : يا رسول الله أنا نستأذنك ونحوه وكذا خطاب من معه في أمر جامع إياه صلى الله عليه و سلم ينبغي أن يكون بنحو يا رسول الله لا بنحو يا محمد ويكفي هذا القدر من الإرتباط بما قبل ولا حاجة إلى بيان المناسبة بأن في كل منهما ما ينافي التعظيم اللائق بشأنه العظيم صلى الله عليه و سلم نعم الأظهر في معنى الآية ما ذكرناه أولا كما لا يخفى وقرأ الحسن ويعقوب في رواية نبيكم بنون مفتوحة وباء مكسورة وياء آخر الحروف مشددة بدل بينكم الظرف في قراءة الجمهور وخرج على أنه بدل من الرسول ولم يجعل نعتا له لأنه مضاف إلى الضمير والمضاف إليه في رتبة العلم

الصفحة 225