كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

قوله تعالى : فأذن لمن شئت منهم يؤذن أن القوم ثلاث فرق المأذون في الذهاب بعد الإستئذان والمتخلف عنه ثم المتخلف إما أن يدوم في مجلسه عليه الصلاة و السلام ولم يذهب وهم المؤمنون المخلصون أو يتسلل لو إذا وهم المنافقون وقوله تعالى : فليحذر الخ مترتب على القسم الثالث على سبيل الوعيد والفعل المضارع يفيد معنى الدأب والعادة وقد أقيم المظهر موضع المضمر علة لاستحقاقهم فتنة الدارين انتهى وقد كشف عن بعض ما فيه صاحب الكشف نعم قيل عليه : إن فوات المبالغة والتناول لا يقاوم العهد ولا عدول عن الحقيقة لأن الأمر حقيقة في الحادثة وكذا المخالفة فيما ذكر ولو سلم فهو مشترك الإلزام فإن الأمر ليس حقيقة في الأمر وقوله : بلا ضرورة ممنوع فإن إضافة العهد صارفة وتعقب بأن هذا مكابرة ومنع مجرد لا يسمع فإن الأبلغية لا شبهة فيها فإن تهديد من لم يمتثل أمره عليه الصلاة و السلام أشد من تركه بلا إذن وكون الأمر حقيقة في الطلب هو الأصح في الأصول والمخالفة المقارنة للأمر لا شبهة في أن حقيقتها عدم الإمتثال واشتراك الإلزام بتام لأن أمره إذا عم يشمل الأمر الجامع بمعنى الطلب أيضا وعهد الإضافة ليس بمتعين حتى يعد صارفا كذا قيل وفيه بحث فتأمل وقد يقال بناء على كون الأمر المذكور إشارة إلى الأمر الجامع : إنه جيء بأو في قوله أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم لما أن الأمر الجامع إما أن يكون أمرا دنيويا كالتشاور في الأمور الحربية فالإنصراف عنه مظنة إصابة المحنة الدنيوية للمنصرفين وإما أن يكون أمرا دينيا كإقامة الجمعة التي فيها تعظيم شعائر الإسلام فالإنصراف عنه مظنة إصابة العذاب الأخروي
وبالجملة لا استدلال بالآية على اعتبار العهد وأما إذا لم يعتبر فقد استدل بها وقد سمعت شيئا من الكلام في ذلك وتمامه جرحا وتعديلا وغير ذلك في كتب الأصول ألا إن لله ما في السماوات والأرض من الموجودات بأسرها خلقا وملكا وتصرفا إيجادا وإعداما بدءا وإعادة لا لأحد غيره شركة أو استقلالا قد يعلم ما أنتم عليه أيها المكلفون من الأحوال والأوضاع التي من جملتها الموافقة والمخالفة والإخلاص والنفاق ودخول المنافقين مع أن الخطاب فيما قبل للمؤمنين بطريق التغليب وقوله تعالى ويوم يرجعون إليه خاص بالمنافقين وهو مفعول به عطف على ما أنتم أي يعلم يوم يرجع المنافقون المخالفون للأمر إليه عز و جل للجزاء والعقاب
وتعليق علمه بيوم رجعهم لا برجعهم لزيادة تحقيق علمه سبحانه بذلك وغاية تقريره لما أن العلم بوقت وقوع الشيء مستلزم للعلم بوقوع الشيء على أبلغ وجه وآكده وفيه إشعار بأن علمه جل وعلا بنفس رجعهم من الظهور بحيث لا يحتاج إلى البيان قطعا ويجوز أن يكون الخطاب السابق خاصا بهم أيضا فيتحقق التفاتان التفات من الغيبة إلى الخطاب في أنتم والتفات من الخطاب إلى الغيبة في يرجعون والعطف على حاله وجوز أن يكون على مقدار أي ما أنتم عليه الآن ويوم الخ فإن الجملة الإسمية تدل على الحال في ضمن الدوام والثبوت وقيل : يجوز أن يكون يوم ظرفا لمحذوف يعطف على ما قبله أي وسيحاسبهم يوم أو نحو ذلك ولا أرى اختصاصه بالوجه الثاني في الخطاب
وفي البحر بعد ذكر الوجهين فيه والظاهر عطف يوم على ما أنتم عليه وقال ابن عطية : يجوز أن يكون التقدير والعلم يظهر لكم أو نحو هذا يوم فيكون يوم نصبا على الظرفية بمحذوف وقد للتحقيق وفيها الإحتمالان المتقدمان آنفا وقد مر غير مرة ما يراد بمثل هذه الجملة من الوعيد أو الوعد ولا يخفى المناسب لكل من

الصفحة 228