كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

الإحتمالات في أنتم ويرجعون وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو يرجعون مبنيا للمفعول فينبئهم بما عملوا أي بعلمهم أو بالذي عملوه من الأعمال السيئة التي من جملتها مخالفة الأمير فيرتب سبحانه عليه ما يليق به من التوبيخ والجزاء أو فينبئهم بما عملوا خيرا أو شرا فيرتب سبحانه على ذلك ما يليق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر والله بكل شيء عليم
64
- لا يخفى عليه شيء من الأشياء والجملة تذييل مقرر لما قبله وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم وتقديم الظرف لرعاية رؤس الآي وقيل وفيه بحث : إنه للحصر على معنى والله عليم بكل شيء لا ببعض الأشياء كما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة ومن حذا حذوهم حفظنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلالات وجعل لنا نورا نهتدي به إذا أدلهم ليل الجهالات هذا
ومن باب الإشارة في الآيات ما قيل في قوله تعالى ألم تر أن الله يزجي سحابا إلى آخره أنه إشارة إلى جمع العناصر الأربعة وتركيب الأسنان منها ثم خروج مطر الإحساس من عينيه وأذنيه مثلا وينزل من سماء العقل الفياض برد حقائق العلوم فيصيب به من يشاء فتظهر عليه آثار ويصرفه عمن يشاء حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية يكاد سنا برقه نور تجليه يذهب الأبصار بأن يعطلها عن الأبصار ويفني أصحابها عنها لما أن الإدراك بنوره فوق الإدراك بنور الأبصار يقلب الله الليل والنهار إشارة إلى ليل المحور ونهار الصحو أو ليل القبض ونهار البسط أو ليل الجلال ونهار الجمال أو نحو ذلك وقيل : يزجي سحاب المعاصي إلى أن يتراكم فترى مطر التوبة يخرج من خلاله كما خرج من سحاب وعصى آدم مطر ثم اجتباه ربه وينزل من سماء القلوب من جبال القسوة فيها من برد القهر يقلب االله ليل المعصية لمن يشاء إلى نهار الطاعة وبالعكس والله خلق كل دابة من ماء تقدم الكلام في الماء فمنهم من يمشي على بطنه يعتمد في سيره على الباطن وهم أهل الجذبة المغمورون في بحار المحبة ومنهم من يمشي على رجلين يعتمد في سيره الشريعة والطريقة لكن فيما يتعلق به خاصة منهما وهم صنف من الكاملين سكنوا زوايا الخمول ولم يخالطوا الناس ولم يشتغلوا بالإرشاد ومنهم من يمشي على أربع يعتمد في سيره الشريعة والطريقة فيما يتعلق به وبغيره منهما وهم صنف آخر من الكاملين برزوا للناس وخالطوهم واشتغلوا بالإرشاد وعملوا في أنفسهم بما تقتضيه الشريعة والطريقة وعاملوا الناس والمريدين بذلك أيضا يخلق ما يشاء فلا يبعد أن يكون في خلقه من يمشي على أكثر كالكاملين الذين أوقفهم الله تعالى على أسرار الملك والملكوت وما حده لكل أمة من الأمم ونوع من أنواع المخلوقات فعاملوا بعد أن عملوا في أنفسهم ما يليق بهم كل أمة وكل نوع بما حد له كل قد علم صلاته وتسبيحه
وفي قوله تعالى ويقولون آمنا بالله وبالرسول الآيات إشارة إلى أحوال المنكرين في القلب على المشايخ وأحوال المصدقين بهم قلبا وقالبا وفي قوله سبحانه وإن تطيعوه تهتدوا إشارة إلى أن طاعة الرسول سبب لحصول المكاشفات ونحوها قال أبو عثمان : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول وإن تطيعوه تهتدوا وفي قوله تعالى إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إشارة إلى أنه لا ينبغي للمريد الإستبداد بشيء قال عبد الله الرازي : قال قوم من أصحاب أبي عثمان لأبي عثمان أوصنا فقال : عليكم بالإجتماع على الدين وإياكم

الصفحة 229