كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

ومخالفة الأكابر والدخول في شيء من الطاعات إلا بإذنهم ومشورتهم وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فإذا فعلتم أرجو أن لا يضبع الله تعالى لكم سعيا لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فيه من تعظيم أمر الرسول صلى الله عليه و سلم ما فيه وذكر أن الشيخ في جماعته كالنبي في أمته فينبغي أن يحترم في مخاطبته ويميز على غيره فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قال أبو سعيد الخراز : الفتنة إسباغ النعم مع الإستدراج وقال الجنيد قدس سره : قسوة القلب عن معرفة المعروف والمنكر وقال بعضهم : طبع على القلوب والعذاب الأليم هو عذاب البعد والحجاب عن الحضرة نعوذ بالله تعالى من ذلك ونسأله سبحانه التوفيق إلى أقوم المسالك فلا رب غيره ولا يرجى إلا خيره
سورة الفرقان
أطلق الجمهور القول بمكيتها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة هي مكية إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله سبحانه وكان الله غفورا رحيما وقال الضحاك : هي مدنية إلا أو لها إلى قوله تعالى ولا نشورا فهو مكي وعدد آياتها سبع وسبعون آية بلا خلاف كما ذكره الطبرسي والداني في كتاب العدد ولما ذكر جل وعلا في آخر السورة السابقة وجوب متابعة المؤمنين للرسول صلى الله عليه و سلم ومدح المتابعين وحذر المخالفين افتتح سبحانه هذه السورة بما يدل على تعاليه جل شأنه عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله أو على كثرة خيره تعالى ودوامه وأنه أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا إطماعا في خيره وتحذيرا من عقابه جل شأنه وفي هذه السورة أيضا من تأكيد ما في السابقة من مدح الرسول صلى الله عليه و سلم ما فيها فقال تبارك وتعالى : بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
1
- أي تعالى جل شأنه في ذاته وصفاته وأفعاله على أتم وجه وأبلغه كما يشعر به إشناد صيغة التفاعل إليه تعالى وهذا الفعل لا يسند في الأغلب إلى غيره تعالى ومثله تعالى ولا يتصرف فلا يجيء منه مضارع ولا أمر ولا في الأغلب أيضا وإلا فقد قرأ أبي كما سيأتي إن شاء الله تعالى تباركت الأرض ومن حولها وجاء كما في الكشف تباركت النخلة أي تعالت وحكى الأصمعي أن أعرابيا صعد رابية فقال لأصحابه : تباركت عليكم وقال الشاعر :
إلى الجذع جذع النخلة المتبارك
وقال الخليل : معنى تبارك تمجد وقال الضحاك : تعظم وهو قريب من قريب وعن الحسن والنخعي أن المعنى تزايد خيره وعطاؤه وتكاثر وهي إحدى روايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وثانيتهما أن المعنى لم يزل ولا يزال وتحقيق ذلك أن تبارك من البركة وهي في الأصل مأخوذة من برك البعير وهو صدوره ومنه برك البعير إذا ألقى بركه على الأرض واعتبر فيه معنى اللزوم فقيل براكاء الحرب وبروكاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال وسمي محبس الماء بركة كسدرة ثم أطلقت على ثبوت الخير الإلهي في الشيء ثبوت الماء في البركة وقيل : لما فيه ذلك الخير مبارك ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة فمن اعتبر معنى اللزوم كابن عباس بناء على الرواية الثانية عنه قال : المعنى لم يزل ولا يزال أو نحو ذلك ومن اعتبر معنى التزايد انقسم إلى طائفتين فطائفة جعلوه باعتبار كمال الذات في نفسها ونقصان ما سواها ففسروا ذلك

الصفحة 230