كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

بالتعالي ونحوه وطائفة جعلوه باعتبار كمال الفعل ففسروه بتزايد الخير وتكاثره ولا اعتبار للتغير المبني على اعتبار معنى اللزوم لقلة فائدة الكلام عليه وعدم مناسبة ذلك المعنى لما بعد ومن هنا ردد الجمهور المعنى بين ما ذكره أولا وما روي عن الحسن ومن معه وترتيب وصفه تعالى بقوله سبحانه تبارك بالمعنى الأول على إزنزاله جل شأنه الفرقان لما أنه ناطق بعلو شأنه سبحانه وسمو صفاته وابتناء أفعاله على أساس الحكم والمصالح وخلوها عن شائبة الخلل بالكلية وترتيب ذلك بالمعنى الثاني عليه لما فيه من الخير الكثير لأنه هداية ورحمة للعالمين وفيه ما ينتظم أمر المعاش والمعاد وكلا المعنيين مناسب للمقام ورجح الأول بأنه أنسب به لمكان قوله تعالى : ليكون للعالمين نذيرا فقد قال الطيبي في اختصاص النذير البشير سلوك طريقة براعة الإستهلال والإيذان بأن هذه السورة مشتملة على ذكر المعاندين المتخذين لله تعالى ولدا وشريكا الطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر وهذا يؤيد تأويل تبارك بتزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله جل وعلا لإفادته صفة الجلال والهيبة وإيذانه من أول الأمر بتعاليه سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا وهو من الحسن بمكان و الفرقان مصدر فرق الشيء من الشيء وعنه إذا فصله ويقال أيضا كما ذكره الراغب فرقت بين الشيئين إذا فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر أو بفصل تدركه البصيرة والتفريق بمعناه إلا أنه يدل على التكثير دونه وقيل أن الفرق في المعاني والتفريق في الأجسام والمراد به القرآن وإطلاقه عليه لفصله بين الحق والباطل بما فيه من البيان أو بين المحق والمبطل لما فيه من الإعجاز أو لكونه مفصولا بعضه عن بعض في نفس أو في الإنزال حيث لم ينزل دفعة كسائر الكتب وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يقوله الصوفية في ذلك فهو مصدر بمعنى الفاعل أو بمعنى المفعول ويجوز أن يكون ذلك من باب هي إقبال وإدبار فلا تغفل
والمراد بعبده نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وإيراده عليه الصلاة و السلام بذلك العنوان لتشريفه والإيذان بكونه صلوات الله تعالى وسلامه عليه في أقصى مراتب العبودية والتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبد للمرسل ردا على النصارى وقيل : المراد بالفرقان جميع الكتب السماوية لأنها كلها فرقت الحق والباطل وبعبده الجنس الشامل لجميع من نزلت عليهم وأيد بقراءة ابن الزبير على عباده ولا يخفى ما في ذلك من البعد والمراد بالعباد في قراءة ابن الزبير الرسول عليه الصلاة و السلام وأمته والإنزال كما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه و سلم يضاف إلى أمته كما في قوله تعالى لقد أنزلنا إليكم لأنه واصل إليهم ونزله لأجلهم فكأنه منزل عليهم وإن كان إنزاله حقيقة عليه عليه الصلاة و السلام وقيل : المراد بالجمع هو صلى الله عليه و سلم وعبر عنه به تعظيما وضمير يكون عائد على عبده وقيل على الفرقان وإسناد الإنذار إليه مجاز وقيل على الموصول الذي هو عبارة عنه تعالى ورجح بأنه العمدة المسند إليه الفعل والإنذار من صفاته عز و جل كما في قوله تعالى إنا كنا منذرين وقيل على التنزيل المفهوم من نزل والمتبادر إلى الفهم هو الأول وهو الذي يقتضيه ما بعد والنذير صفة مشبهة بمعنى منذر
وجوز أن يكون مصدرا بمعنى إنذار كالنكير بمعنى إنكار وحكم الإخبار بالمصدر شهير والإنذار إخبار فيه تخويف ويقابله التبشير ولم يتعرض له لما مر آنفا والمراد بالعالمين عند جمع من العالمين الإنس والجن ممن عاصره صلى الله عليه و سلم إلى يوم القيامة ويؤيد قراءة ابن الزبير للعالمين للجن والإنس وإرساله صلى الله عليه و سلم إليهم معلوم من الدين بالضرورة فيكفر منكره وكذا الملائكة عليهم السلام كما رجحه جمع محققون كالسبكي ومن تبعه ورد على من

الصفحة 231