كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

والإحتراز عن توهم كونه تتمة للأول وخلق كل شيء أي أحدثه إحداثا جاريا على سنن التقدير والتسوية حسبما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة كخلقة الإنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة فقدره أي هيأه لما أراد به من الخصائص والأفعال اللائقة به تقديرا
2
- بعيدا لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه كتهيئة الإنسان للفهم والإدراك والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاش واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك فلا تكرار في الآية لما ظهر من أن التقدير الدال عليه الخلق بمعنى التسوية والمعبر عنه بلفظه بمعنى التهيئة وهما غير أن والخلق على هذا على حقيقته ويجوز أن يكون الخلق مجازا بل منقولا عرفيا في معنى الأحداث والإيجاد غير ملاحظ فيه التقدير وإن لم يخل عنه ولهذا صح التجوز ويكون التصريح بالتقدير دلالة على أن كل واحد مقصود بالذات فكأنه قيل وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده لم يوجده متفاوتا بل أوجده متناصفا متناسبا وقيل التقدير الثاني هو التقدير للبقاء إلى الأجل المسمى فكأنه قيل وأوجد كل شيء على سنن التقدير فأدامه إلى الأجل المسمى والقول الأول مختار الزجاج وهو كما في الكشف أظهر والفاء عليه للتعقيب مع الترتيب
وزعم بعضهم أن في الكلام قلبا وهو على ما فيه لا يدفع لزوم التكرار بدون أحد الأوجه المذكورة كما لا يخفى وجملة خلق الخ عطف على ما تقدم وفيها رد على الثنوية القائلين بأن خالق الشر غير خالف الخير ولا يضر كونه معلوما مما تقدم لأنها تفيد فائدة جديدة لما فيها من الزيادة وقيل : هي رد على من يعتقد اعتقاد المعتزلة في أفعال الحيوانات الإختيارية وفي إرشاد العقل السليم أنها جارية مجرى العليل لما قبلها من الجمل المنتظمة في سلك الصلة فإنه خلقه تعالى لجميع الأشياء على النمط البديع كما يقتضي استقلاله تعالى باتصافه بصفات الألوهية يقتضي انتظام كل ما سواه كائنا تحت ملكوته القاهر بحيث لا يشذ عن ذلك شيء ومن كان كذلك كيف يتوهم كونه ولدا له سبحانه أو شريكا في ملكه عز و جل وذكر الطيبي أن قوله تعالى : له ملك السماوات والأرض توطئة وتمهيد لقوله سبحانه : لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وأردف بقوله تعالى : وخلق كل شيء لما أن كونه سبحانه بديع السماوات والأرض وفاطرهما ومالكهما مناف لاتخاذ الولد والشريك قال تعالى : بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد الآية وقد يقال : إن هذه الجملة تصريح بما علم قبل ليكون التشنيع على المشركين بقوله سبحانه : واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أظهر وضمير اتخذوا للمشركين المفهوم من قوله تعالى : ولم يكن له شريك في الملك أو من المقام وقوله سبحانه : نذيرا وقال الكرماني : للكفار وهم مندرجون في قوله تعالى : للعالمين والمراد حكاية أباطيلهم في أمر التوحيد والنبوة وإظهار بطلانها بعد أن بين سبحانه حقيقة الحق في مطلع السورة الكريمة أي اتخذوا لأنفسهم متجاوزين الله تعالى الذي ذكر بعض شؤنه العظيمة آلهة لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء وهم مخلوقون لله تعالى أو هم يختلقهم عبدتهم بالنحت والتصوير ورجح المعنى الأول بأن الكلام عليه أشمل ولا يختص بالأصنام بخلافه على الثاني ويكون التعبير بالمضارع عليه في يخلقون المبني للمفعول لمشاكلة يخلقون المبني للفاعل مع استحضار الحال الماضية ورجح المعنى الثاني بأنه أنسب بالمقام لأن الذين أنذرهم نبينا صلى الله عليه و سلم

الصفحة 233