كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

شفاها عبدة الأصنام وأن الأحكام الآتية أوفق بها نعم فيه تفسير الخلق بالإفتعال كما في قوله تعالى : وتخلقون إفكا لأنه الذي يصح نسبته لغيره عز و جل وكذا الخلق بمعنى التقدير كما في قول زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري والمتبادر منه إيجاد الشيء مقدارا بمقدار كما هو المراد من سابقه وتفسيره بذلك أيضا كما فعل الزمخشري بعيد كذا قيل : وتعقب بأنه يجوز أن يراد منه هذا المتبادر والأصنام بذواتها وصورها وأشكالها مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق لأن أفعال العباد وما يترتب عليها وينشأ منها من الآثار مخلوقة له عز و جل عندهم كما حقق بل لو قيل بتعين هذه الإرادة على ذلك الوجه لم يبعد وقوله تعالى : ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا لبيان حالهم بعد خلقهم ووجودهم والمراد لا يقدرون على التصرف في ضر ما ليدفعوه عن أنفسهم ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم ولما كان دفع الضر أهم أفيد أولا عجزهم عنه وقيل : لأنفسهم ليدل على غاية عجزهم لأن من لا يقدر على ذلك في حق نفسه فلأن لا يقدر عليه في حق غيره من باب أولى ومن خص الأحكام في الأصنام قال : إن هذا لبيان مالم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان وقد يقال : التصرف في الضر والنفع بالدفع والجلب على الإطلاق ليس على الحقيقة إلا لله عز و جل كما ينبيء عنه قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه و سلم : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله وقوله تعالى : ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا
3
- أي لا يقدرون على التصرف في شيء منها بإماتة الأحياء وإحياء الموتى في الدنيا وبعثهم في الأخرى للتصريح بعجزهم عن كل واحد مما ذكر على التفصيل والتنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على جميع ذلك وتقديم الموت لمناسبة الضر المقدم وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك القائلون كما أخرجه جمع عن قتادة هو مشركو العرب لا جميع الكفار بقرينة ادعاء إعانة بعض أهل الكتاب له صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سمي منهم في بعض الروايات النضر بن الحرث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ويجوز أن يراد غلاتهم كهؤلاء ومن ضامهم وروي عن ابن عباس ما يؤيده وروي عن الكلبي ومقاتل أن القائل هو النضر والجمع لمشايعة الباقين له في ذلك ومن خص ضمير اتخذوا بمشركي العرب وجعل الموصول هنا عبارة عنهمخ كلهم جعل وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإيذان بأن ما تفوهوا به كفر عظيم وفي كلمة هذا حط لرتبة المشار إليه أي قالوا ما هذا إلا كذب مصروف عن وجهه افتراه يريدون أنه اخترعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم ينزل عليه عليه الصلاة و السلام وأعانه عليه أي على إفترائه واختراعه أو على الإفك قوم آخرون يعنون اليهود بأن يلقوا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبار الأمم الدارجة وهو عليه الصلاة و السلام يعبر عنها بعبارته وقيل : هم عداس وقيل : عائش مولى حويطب بن عبد العزي ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وجبريل مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤن التوراة أسلموا وكان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم يتعهدهم فقيل ما قيل وقال المبرد : عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلا من جنس الأول وفيه أن الإشتراك في الوصف غير لازم ألا ترى قوله تعالى : فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى

الصفحة 234