كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

من أباطيلهم متعلق بأمر المعاد وما قبل كان متعلقا بأمر التوحيد وأمر النبوة لا يضر في ذلك العود إلى ما يتعلق بالكلام السابق واختلاف أساليب الحكاية لاختلاف المحكي وما ألطف تصدير حكاية ما يتعلق بالآخرة قبيل الإنتقالية
وقوله تعالى وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا
11
- الخ لبيان ما لهم في الآخرة بسببه أي هيأنا لهم نارا عظيمة شديدة الإشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضميرهم أو لكل من كذب بها كائنا من كان وهم داخلون في ذلك دخولا أوليا وضع الساعة ضميرها للمبالغة في التشنيع وهذا الإعتداد وإن كان ليس بسبب تكذيبهم بها خاصة بل يشاركه في السببية له ارتكابهم الأباطيل في أمر التوحيد وأمر النبوة إلا أنه لما كانت الساعة نفسها هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير بما ذكر إلى سببية التكذيب بها لدخولها ولم يتعرض للإشارة إلى سببية شيء آخر وقيل من كذب بالساعة صار كالإسم لأولئك المشركين والمكذبين برسول الله صلى الله عليه و سلم والمكذبين بالساعة أي الجامعين للأوصاف الثلاثة لأن التكذيب بها أخص صفاتهم القبيحة وأكثر دورانا على ألسنتهم إذ من الكفار من يشرك ويكذب برسول الله عليه الصلاة و السلام ولا يكذب بالساعة فالمراد من يكذب بالساعة أولئك الصنف من الكفرة وهو كما ترى
وقيل : إن قوله تعالى بل كذبوا بالساعة عطف على قوله تعالى قالوا ما لهذا الرسول الخ وإضراب عنه إلى ما هو أعجب منه على معنى أن ذلك تكذيب للرسول صلى الله عليه و سلم وهذا تكذيب لله سبحانه وتعالى ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك إلى قوله تعالى فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وظاهره أن أعجبية التكذيب بالساعة لأنه تكذيب لله عز و جل وقال بعضهم : إن الأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله تعالى على الإعادة مع ما شاهدوه في الأنفس والآفاق وما ارتكز في أوهامهم من أن الإعادة أهون من الإبداء وليس ذلك تكذيب الله عز و جل فإنهم لم يسمعوا أمر الساعة إلا من النبي صلى الله عليه و سلم فهو تكذيب له عليه الصلاة و السلام فيه وأنت تعلم أن في الحديث إشارة إلى ما ارتضاه
وقيل : إضراب عن ذاك على معنى أتوا بأعجب منه حيث كذبوا بالساعة وأنكروها والحال أنا قد اعتدنا لمن كذب بها سعيرا فإن جراءتهم على التكذيب بها وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها من أنواع العذاب أعجب من القول السابق وتعقب بأنه كون الجراءة على التكذيب بالساعة أعجب من الجراءة على القول السابق بعد ظهور المعجزة ولا نسلم أن انضمام عدم الخوف مما يترتب عليه إذا كان ذلك الترتيب في الساعة المكذب بها يفيد شيئا وفيه تأمل وقيل : هو إضراب عن ذاك على معنى أتوا بأعجب منه حيث كذبوا بالساعة التي أخبر بها جميع الأنبياء عليهم السلام فالجراءة على التكذيب بها جراءة على التكذيب بهم والجراءة على التكذيب بهم أعجب من الجراءة على القول السابق وتعقب بأن مرادهم من القول السابق نفي نبوته عليه الصلاة و السلام وتكذيبه وحاشاه ثم حاشاه من الكذب في دعواه إياها لعدم مخالفة حاله صلى الله عليه و سلم حالهم واتصافه بما زعموا منافاة للرسالة وذلك موجود ومتحقق في جميع الأنبياء عليهم السلام فتكذيبه صلى الله عليه و سلم لذلك تكذيب لهم أيضا فلا يكون التكذيب بالساعة على ما ذكر أعجب من تكذيب النبي صلى الله عليه و سلم لاشتراك التكذيبين في كونهما في حكم تكذيب الكل وقيل : هو متصل بقوله تعالى تبارك الذي إن شاء الخ الواقع جوابا لهم والمنبيء عن الوعد بالجنات والقصور في الآخرة مسوق لبيان أن ذلك لا يجدي نفعا على طريقة قول من قال :

الصفحة 241