كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

عوجوا لنعم فحيوا دمنة الدار ماذا تحيون من نؤى وأحجار والمعنى أنهم لا يؤمنون بالساعة فكيف يقتنعون بهذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وقيل : إضراب عن الجواب إلى بيان العلة الداعية لهم إلى التكذيب والمعنى بل كذبوا بالساعة فقصرت أنظارهم على الحظوظ الدنيوية وظنوا أن الكرامة ليست إلا بالمال وجعلوا خلو يدك عنه ذريعة إلى تكذيبك وقوله تعالى إذا رأتهم إلى آخره صفة للسعير والتأنيث باعتبار النار وقيل لأنه علم لجهنم كما روي عن الحسن وفيه أنه لو كان كذلك لامتنع دخول أل عليه ولمنع من الصرف للتأنيث والعلمية
وأجيب بأن دخول أل للمح الصفة وهي تدخل الإعلام لذلك كالحسن والعباس وبأنه صرف للتناسب ورعاية الفاصلة أو لتأويله بالمكان وتأنيثه هنا للتفنن وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكا كهذه الآية وقوله تعالى يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وقوله صلى الله عليه و سلم كما في صحيح البخاري شكت النار إلى ربها فقالت : رب أكل بعضي بعضا فاذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف إلى غير ذلك وإذا صح ما أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من بين عيني حهنم قالوا : يا رسول الله هل لجهنم من عين قال : نعم أما سمعتم الله تعالى يقول إذا رأتهم من مكان بعيد فهل تراهم إلا بعينين كان ما قلناه هو الصحيح وإسنادها إليها لا إليهم للإيذان بأن التغيظ والزفير منها لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم من مكان بعيد هو أقصى ما يمكن أن يرى منه وروي أنه هنا مسيرة خمسمائة عام وأخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره عن ابن عباس أنه مسيرة مائة عام وحكى ذلك عن السدي والكلبي وروي أيضا عن كعب وقيل : مسيرة سنة وحكاه الطبرسي عن الإمام أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه ونسبه في إرشاد العقل السليم إلى السدي والكلبي سمعوا لها تغيظا أي صوت تغيظ ليصح تعلق السماع به وفي مفردات الراغب الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما في هذه الآية وقيل : أريد بالسماع مطلق الإدراك كأنه قيل : أردكوا لها تغيظا وزفيرا
12
- هو إخراج النفس بعد مده على ما في القاموس وقال الراغب : هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه وشاع استعماله في نفس صوت ذلك النفس ولا شبهة في أنه مما يتعلق به السماع ولذا استشكلوا تعلق السماع بالتغيظ دون الزفير فأولوا لذلك بما سمعت وقال بعضهم : إن ما ذكر من قبيل قوله : ورأيت زوجك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا وهو بتقدير سمعوا لها وأدركوا تغيظا وزفيرا ويعاد كل إلى ما يناسبه ومن الناس من قال : الكلام خارج مخرج المبالغة بجعل التغيظ مع أنه ليس من المسموعات مسموعا والتنوين فيه وفي زفيرا للتفخيم
وقد جاء في الآثار ما يدل على شدة زفيرها أعاذنا الله تعالى منها ففي خبر أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم

الصفحة 242