كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

ما أجهلهم وقوله تعالى يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون
33
- تقرير للمماثلة والظاهر أن ما الثانية موصولة والعائد إليها ضمير وجرور حذف مع الجار لدلالة ما قبله عليه والحذف هنا مثله في قوله : مررت بالذي مررت في استيفاء الشرائط وحسنه هنا كون تشربون فاصلة
وفي التحرير زعم الفراء حذف العائد المجرور مع الجار في هذه الآية وهذا لا يجوز عند البصريين والآية إما لا حذف فيها أو فيها حذف المفعول فقط لأن ما إذا كانت مصدرية لم تحتج إلى عائد وإن كانت موصولة فالعائد المحذوف ضمير منصوب على المفعولية متصل بالفعل والتقدير مما تشربونه أه وهذا تخريج على قاعدة البصريين ويفوت عليه فصاحة معادلة التركيب على أن الوجه الأول محوج إلى تأويل المصدر باسم المفعول وبعد ذلك يحتاج إلى تكلف لصحة المعنى ويحتاج إلى ذلك التكلف على الوجه الثاني أيضا إذ لا يشرب أحد من مشروبهم ولا من الذي يشربونه وإنما يشرب من فرد آخر من الجنس فلا بد من إرادة الجنس على الوجهين
ولئن أطعتم بشرا مثلكم فيما ذكر من الأحوال والصفات أي إن امتثلتم بأوامره إنكم إذا لخاسرن
34
- عقولكم ومغبونون في آرائكم حيث أذللتم أنفسكم واللام موطئة للقسم وجملة إنكم لخاسرون جواب القسم و إذا فيما أميل إليه ظرفية متعلقة بما تدل عليه النسبة بين المبتدأ والخبر من الثبوت أو بالخبر واللام لا تمنع عن العمل في مثل ذلك وجواب الشرط محذوف دل عليه المذكور
قال أبو حيان : ولو كان هذا هو الجواب للزمت الفاء فيه بأن يقال : فإنكم الخ بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن الكريم لم يكن ذلك التركيب جائزا إلا عند الفراء والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ أه
وذكر بعضهم أن إذا هنا للجزاء والجواب وتكلف لذلك ولا يدعو إليه سوى ظن وجوب اتباع المشهور وأن الحق في امتثال هذه المقامات منحصر فيما عليه الجمهور وفي همع الهوامع وكذا في الإتقان للجلال السيوطي في هذا البحث ما ينفعك مراجعته فراجعه أيعدكم استئناف لتقرير ما قبله من زجرهم عن اتباعه عليه السلام بإنكار وقوع ما يدعوهم للإيمان به واستبعاده وقوله تعالى إنكم على تقدير حرف الجر أي بأنكم ويجوز أن لا يقدر نحو وعدتك الخير إذا متم بكسر الميم من مات يمات وقريء بضمها من مات يموت وكنتم ترابا وعظاما أي وكان بعض أجزائكم من اللحم ونظائره ترابا وبعضها عظاما نخرة مجردة عن اللحوم والأعصاب وتقديم التراب لعراقته في الإستبعاد وانقلابه من الأجزاء البادية أو وكان متقدموكم ترابا صرفا ومتأخروكم عظاما وقوله تعالى أنكم تأكيد لأنكم الأول ولطول الفصل بينه وبين خبره الذي هو قوله تعالى مخرجون
35
- وإذا ظرف متعلق به أي أيعدكم أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم أولا إذا متم وكنتم ترابا
واختار هذا الإعراب الفراء والجرمي والمبرد ولا يلزم من ذلك كون الإخراج وقت الموت كما لا يخفى خلافا لما توهمه أبو نزار الملقب بملك النحاة ورده السخاوي ونقله عنه الجلال السيوطي في الأشباه والمنقول عن سيبويه أن أنكم بدل من أنكم الأول وفيه معنى التأكيد وخبر أن الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه أي أيعدكم أنكم تبعثون إذا متم وهذا الخبر المحذوف هو العامل في إداء ولا يجوز أن يكون

الصفحة 30