كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

بالحق أو بالعدل من الله عز و جل من قولك : فلان يقضي بالحق إذا كان عادلا في قضاياه أو بالوعد الصدق الذي وعده الرسول في ضمن قوله تعالى : عما قليل ليصبحن نادمين فجعلناهم غثاء أي كغثاء السيل وهو ما يحمله من الورق والعيدان البالية ويجمع على أغثاء شذوذا وقد تشدد ثاؤه كما في قول امريء القيس : كأن ذرى رأس المجير غدوة من السيل والغثاء فلكة مغزل فبعدا للقوم الظالمين
41
- يحتمل الإخبار والدعاء والبعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأول والثاني في الثاني وهو منصوب بمقدر أي بعدوا بعدا من رحمة الله تعالى أو من كل خير أو من النجاة أو هلكوا هلاكا ويجب حذف ناصب هذا المصدر عند سيبويه فيما إذا كان دعائيا كما صرح في الدر المصون واللام لبيان من دعى عليه أو أخبر ببعده فهي متعلقة بمحذوف لا ببعدا ووضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأن إبعادهم لظلمهم ثم أنشأنا من بعدهم أي بعد هلاكهم قرونا آخرين
42
- هم عند أكثر المفسرين قوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وغير ذلك
ما تسبق من أمة أجلها أي ما تتقدم أمة من الأمم المهلكة الوقت الذي عين لهلاكهم فمن سيف خطيب جيء بها لتأكيد الإستراق المستفاد من النكرة الواقعة في سياق النفي وحاصل المعنى ما تهلك أمة من الأمم قبل مجيء أجلها وما يستئخرون
43
- ذلك الأجل ساعة وضمير الجمع عائد على أمة باعتبار المعنى
ثم أرسلنا رسلنا عطف على أنشأنا لكن لا على معنى إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة جميعا بل على معنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إرسال قرن مخصوص بذلك الرسول كأنه قيل : ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولا خاصا به والفصل بين المعطوفين بالجملة المعترضة للمسارعة إلى بيان هلاك أولئك القرون على وجه إجمالي وتعليق الإرسال بالرسل نظير تعليق القتل بالقتيل في من قتل قتيلا وللعلماء فيه توجيهات تترا من المواترة وهو التتابع مع فصل ومهلة على ما قاله الأصمعي واختاره الحريري في الدرة
وفي الصحاح المتواترة المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومثله في القاموس وعن أبي علي أنه قال : المواترة أن يتبع الخبر الخبر والكتاب الكتاب فلا يكون بينهما فصل كثير ونقل في البحر عن بعض أن المواترة التتابع بغير مهلة وقيل : هو التتابع مطلقا والتاء الأولى بدل من الواو كما في تراث وتجاه ويدل على ذلك الإشتقاق وجمهور القراء والعرب على عدم تنوينه فألفه للتأنيث كألف دعوى وذكرى وهو مصدر في موضع الحال والظاهر أنه حال من المفعول والمراد كما قال أبو حيان والراغب وغيرهما ثم أرسلنا رسلنا متواترين وقيل : حال من الفاعل والمراد أرسلنا متواترين
وقيل هو صفة لمصدر مقدر أي إرسالا متواترا وقيل مفعول مطلق لأرسلنا لأنه بمعنى وأترنا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وأبو جعفر وشعبة وابن محيصن والإمام الشافعي عليه الرحمة تترى بالتنوين وهو

الصفحة 34