كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

المجوس من المشرق إلى أورشليم يقولون : أين المولود ملك اليهود فقد رأينا نجمه في المشرق وجئنا لنسجد له فلما سمع هيرودس اضطرب وجمع رؤساء الكهنة زكتبة الشعب فسألهم أين يولد المسيح فقالوا : في بيت لحم فدعا المجوس سرا وتحقق منهم الزمان الذي ظهر لهم فيه النجم وأرسلهم إلى بيت لحم وقال لهم : اجهدوا في البحث عن هذا المولود فإذا وجدتموه فأخبروني لأسجد له معكم فذهبوا فوجدوه مع مريم فسجدوا وقربوا القرابين ورأوا في المنام أن لا يرجعوا إلى هيرودس فذهبوا إلى كورتهم ورأى يوسف في المنام ملكا يقول له قم فخذ الطفل وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك فإن هيرودس قد عزم على أن يطلف الطفل ليهلكه فقام وأخذ الطفل وأمه ليلا ومضى إلى مصر وكان هناك إلى وفاة هيرودس فلما توفى رأى الملك في المنام يقول به : قم فخذ الطفل وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل فقد مات من يطلب نفس الطفل فقام وأخذهما وجاء إلى أرض إسرائيل فلما سمع أن أرشلاوس قد ملك على اليهودية بعد أبيه هيرودس خاف أن يذهب هناك فأخبر في المنام وذهب إلى تخوم الجليل فسكن في مدينة تدعى ناصرة أه فإن صح هذا كان الظاهر أن الربوة في أرض مصر أو ناصرة من أرض الشام والله تعالى أعلم وقرأ أكثر القراء ربوة بضم الراء وهي لغة قريش
وقرأ أبو إسحاق السبيعي ربوة بكسرها وابن أبي إسحاق رباة بضم الراء وبالألف وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والأشهب العقيلي والفرزدق والسلمي في نقل صاحب اللوامح بفتحها وبالألف وقريء بكسرها وبالألف ذات قرار أي مستقر من أرض منبسطة والمراد أنها في واد فسيح تنبسط به نفس من يأوى إليه وقال مجاهد : ذات ثمار وزروع والمراد أنها محل صالح لقرار الناس فيه لما فيه من الزروع والثمار وهو أنسب بقوله تعالى : ومعين
50
- أيوماء معين أي جار ووزنه فعيل على أن الميم أصلية من معن بمعنى جرى وأصله الإبعاد في الشيء ومنه أمعن النظر
وفي البحر معن الشيء معانة كثر أو من الماعون وإطلاقه على الماء الجاري لنفعه وجوز أن يكون وزنه مفعول كمخيط على أن الميم زائدة من عانه أدركه بعينه كركبه إذا ضربه بركبته وإطلاقه على الماء الجاري لما أنه في الأغلب يكون ظاهرا مشاهدا بالعين ووصف الماء بذلك لأنه الجامع لانشراح الصدر وطيب المكان وكثرة المنافع يا أيها الرسل كلوا من الطيبات حكاية لرسول الله صلى الله عليه و سلم على على وجه الإجمال لما خوطب به كل رسول في عصره جيء بها أثر حكاية إيواء عيسى وأمه عليهم السلام إلى الربوة إيذانا بأن ترتيب مباديء النعم لم تكن من خصائص عيسى عليه السلام بل إحاطة الطيبات شرع قديم جرى عليه جميع الرسل عليهم السلام ووصوا به أي وقلنا لكل رسول كل من الطيبات واعمل صالحا فعبر عن تلك الأوامر المتعددة المتعلقة بصيغة الجمع عند الحكاية إجمالا للإيجاز أو حكاية لما ذكر لعيسى وأمه عليهما السلام عند إيوائهما إلى الربوة ليقتديا بالرسل في تناول ما رزقا كأنه قبل آويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين وقلنا أو قائلين لهما هذا أي أعلمناهما أو معلميهما أن الرسل كلهم خوطبوا بهذا فكلا واعملا اقتداء بهم وجوز أن يكون نداء لعيسى عليه السلام وأمرا له بأن يأكل من الطيبات فقد جاء في حديث مرسل عن حفص

الصفحة 39